﴿يعْبدُونَ (٤٥) وَلَقَد أرسلنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا إِلَى فِرْعَوْن وملئه فَقَالَ إِنِّي رَسُول رب الْعَالمين (٤٦) فَلَمَّا جَاءَهُم بِآيَاتِنَا إِذا هم مِنْهَا يَضْحَكُونَ (٤٧) وَمَا نريهم من آيَة إِلَّا هِيَ أكبر﴾ وَزعم بَعضهم أَنه سَأَلَهُمْ فَأَجَابُوا وَقَالُوا: مَا أمرنَا الله تَعَالَى إِلَّا بِالتَّوْحِيدِ وَالْإِخْلَاص. وَفِي بعض التفاسير: أَن مِيكَائِيل قَالَ لجبريل: هَل سَأَلَ مُحَمَّد الرُّسُل عَمَّا أَمر بِهِ؟ فَقَالَ: لَا، كَانَ أَشد يَقِينا وَأعلم بِاللَّه من أَن يسال عَن ذَلِك. فَإِن قَالَ قَائِل: مَا وَجه السُّؤَال وَالْجَوَاب فِي هَذِه المسالة؟ وَالسُّؤَال عَن هَذَا إِنَّمَا يكون من شَاك فِي الْأَمر أما من مستقين فَلَا، وَالْجَوَاب: أَن المُرَاد من الْآيَة هُوَ تَقْرِير الرَّسُول على مَا يَعْتَقِدهُ وتوبيخ الْكفَّار وتوقيفهم أَن الْأَمر على مَا يَقُول الرَّسُول. وَقَالَ بَعضهم: الْخطاب للرسول وَالْمرَاد مِنْهُ الْأمة، وَيُقَال: [إِن] الْخطاب للْمُشْرِكين كَأَنَّهُ أَمرهم أَن يسْأَلُوا مؤمني أهل الْكتاب، هَل أَمر الله بِمَا يزعمونه فِي كتاب من كتبهمْ، وَهُوَ عبَادَة الْأَصْنَام وتعظيمها؟ وَقد كَانُوا يرجعُونَ إِلَى قَول أهل الْكتاب فِي بعض الْأَشْيَاء، ويعتمدون عَلَيْهِ، وَالله أعلم.
قَوْله تَعَالَى: ﴿وَلَقَد أرسلنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا إِلَى فِرْعَوْن وملئه فَقَالَ إِنِّي رَسُول رب الْعَالمين﴾ ظَاهر الْمَعْنى.
وَقَوله: ﴿فَلَمَّا جَاءَهُم بِآيَاتِنَا﴾ أَي: بالمعجزات والدلالات.
وَقَوله: ﴿إِذا هم مِنْهَا يَضْحَكُونَ﴾ يَعْنِي: ضحك الْمُسْتَهْزِئِينَ المكذبين، وَالْمرَاد من الْآيَة تعجيب الرَّسُول من ضحكهم وتكذيبهم مَعَ وُرُود الْآيَات الظَّاهِرَة مَعَ مُوسَى صلوَات الله عَلَيْهِ.
قَوْله تَعَالَى: ﴿وَمَا نريهم من آيَة إِلَّا هِيَ أكبر من أُخْتهَا﴾ أَي: أعظم من الْآيَة الْمُتَقَدّمَة. وَفِي تَفْسِير النقاش: أَن الْآيَة الأولى من آيَات مُوسَى أَن فِرْعَوْن كَانَ قد جعل على قصره سبع حَوَائِط، بَين كل حائطين سباغ وغياض، والأبواب على الْحِيطَان كَانَت تقفل وَلَا تفتح إِلَّا بِإِذْنِهِ؛ فَلَمَّا حضر مُوسَى بَاب فِرْعَوْن، انفتحت لَهُ الْأَبْوَاب،