﴿هم قوم خصمون (٥٨) إِن هُوَ إِلَّا عبد أنعمنا عَلَيْهِ وجعلناه مثلا لبني إِسْرَائِيل (٥٩) وَلَو نشَاء لجعلنا مِنْكُم مَلَائِكَة فِي الأَرْض يخلفون (٦٠) وَإنَّهُ لعلم للساعة فَلَا تمترن﴾ لأَنهم علمُوا أَن ابْن مَرْيَم لَا يدْخل النَّار وَعَلمُوا أَنه غير دَاخل فِي الْآيَة؛ لِأَن الله تَعَالَى قَالَ: ﴿إِنَّكُم وَمَا تَعْبدُونَ﴾ و " مَا " لمن لَا يعقل، لَا لمن يعقل.
وَقَوله: ﴿بل هم قوم خصمون﴾ أَي: مخاصمون بِغَيْر الْحق، وَقد ثَبت عَن النَّبِي بِرِوَايَة أبي أُمَامَة رَضِي الله عَنهُ أَنه عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ: " مَا ضل قوم بعد هدى كَانُوا عَلَيْهِ إِلَّا أُوتُوا الجدل، ثمَّ قَرَأَ قَوْله تَعَالَى: ﴿مَا ضربوه لَك إِلَّا جدلا بل هم قوم خصمون﴾. وَالْمرَاد بِالْآيَةِ المجادلة بِالْبَاطِلِ لَا المجادلة فِي طلب الْحق أَو لبَيَان الْحق؛ لِأَنَّهُ تَعَالَى قد قَالَ فِي مَوضِع آخر: ﴿وجادلهم بِالَّتِي هِيَ أحسن﴾ وَقَالَ تَعَالَى: ﴿وَلَا تجادلوا أهل الْكتاب إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أحسن﴾.
قَوْله تَعَالَى: ﴿إِن هُوَ إِلَّا عبد﴾ يَعْنِي: عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام وَمَا عِيسَى ابْن مَرْيَم إِلَّا عبد ﴿أنعمنا عَلَيْهِ﴾ أَي: بِالنُّبُوَّةِ والآيات.
وَقَوله: ﴿وجعلناه مثلا﴾ أَي: عظة وعبرة لبني إِسْرَائِيل، وَيُقَال: جَعَلْنَاهُ مثلا لَهُم أَي: بشرا مثلهم.
وَقَوله: ﴿وَلَو نشَاء لجعلنا مِنْكُم﴾ أَي: بَدَلا مِنْكُم ﴿مَلَائِكَة فِي الأَرْض يخلفون﴾ أَي: تخلفكم، وَيُقَال: يخلف بَعْضكُم بَعْضًا.
قَوْله تَعَالَى: ﴿وَإنَّهُ لعلم للساعة﴾ مَعْنَاهُ. أَن عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام شَرط من