﴿وَرُسُلنَا لديهم يَكْتُبُونَ (٨٠) قل إِن كَانَ للرحمن ولد فَأَنا أول العابدين (٨١) سُبْحَانَ﴾ نقُول: فَقَالَ الآخر: إِن جهرنا يسمع، وَإِن أسررنا لم يسمع؛ فَأنْزل الله تَعَالَى هَذِه الْآيَة.
وَقَوله: ﴿بلَى وَرُسُلنَا﴾ يَعْنِي: بلَى نسْمع ﴿وَرُسُلنَا لديهم يَكْتُبُونَ﴾ أَي: يَكْتُبُونَ بِمَا يعْملُونَ وَيَقُولُونَ.
قَوْله تَعَالَى: ﴿قل إِن كَانَ للرحمن ولد فَأَنا أول العابدين﴾ الْآيَة مشكلة، وفيهَا أَقْوَال: أَحدهَا: قَول مُجَاهِد، وَهُوَ أَن مَعْنَاهُ: قل إِن كَانَ للرحمن ولد على زعمكم فَأَنا أول العابدين أَنه إِلَه لَا ولد لَهُ وَلَا شريك لَهُ، وَأَن مَا قلتموه بَاطِل وَكذب، وَهَذَا أحسن الْأَقَاوِيل.
وَالْقَوْل الثَّانِي: أَن " إِن " هَاهُنَا بِمَعْنى " مَا "، وَمَعْنَاهُ: قل مَا كَانَ للرحمن ولد وَتمّ الْكَلَام، ثمَّ قَالَ: فَأَنا أول العابدين، وَأهل النَّحْو يستبعدون هَذَا، وَيَقُولُونَ: لَا يجوز أَن تكون " إِن " بِمَعْنى " مَا " إِلَّا على بعد عَظِيم.
وَالْقَوْل الثَّالِث: قل إِن كَانَ للرحمن ولد فَأَنا أول العابدين أَي: الآنفين، يُقَال: عبد إِذا أنف، قَالَ الفرزدق:
(أُولَئِكَ آبَائِي فجئني بمثلهم... وأعبد أَن يهجى كُلَيْب بدارم) أَي: آنف. وَحكى بَعضهم: أَن عليا رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قيل لي: إِنَّك قتلت عُثْمَان فعبدت وَسكت أَي: أنفت.
وَحَقِيقَة الْمَعْنى فِي الْآيَة على هَذَا القَوْل: أَنى غضب (وَله غضب) أنف أَن ينْسب إِلَيْهِ ولد كَمَا تَزْعُمُونَ.