﴿عَلَيْكُم بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخ مَا كُنْتُم تَعْمَلُونَ (٢٩) فَأَما الَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات فيدخلهم رَبهم فِي رَحمته ذَلِك هُوَ الْفَوْز الْمُبين (٣٠) وَأما الَّذين كفرُوا أفلم تكن آياتي تتلى عَلَيْكُم فاستكبرتم وكنتم قوما مجرمين (٣١) وَإِذا قيل إِن وعد الله حق والساعة لَا ريب فِيهَا قُلْتُمْ مَا نَدْرِي مَا السَّاعَة إِن نظن إِلَّا ظنا وَمَا نَحن﴾
وَقَوله: ﴿إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخ مَا كُنْتُم تَعْمَلُونَ﴾ فِيهِ أَقْوَال: أَحدهَا: نستكتب مَا كُنْتُم تَعْمَلُونَ أَي: نأمر الكتبة أَن يكتبوا ويحفظوا أَعمالكُم. وَالْقَوْل الثَّانِي: نَسْتَنْسِخ مَا كُنْتُم تَعْمَلُونَ أَي: نَأْخُذ نُسْخَة مِمَّا كتبت الْمَلَائِكَة عَلَيْكُم. وَالْقَوْل الثَّالِث: وَهُوَ الْمَعْرُوف، وَهُوَ مَرْوِيّ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: يَأْمر الله تَعَالَى الْمَلَائِكَة بِأَن يَأْخُذُوا نُسْخَة من اللَّوْح الْمَحْفُوظ على مَا يعمله العَبْد فِي يَوْمه وَلَيْلَته، ثمَّ يَكْتُبُونَ مَا عمله العَبْد، ثمَّ يقابلون مَا كتبُوا على العَبْد بِمَا نسخوا من اللَّوْح الْمَحْفُوظ، فيكونان سَوَاء لَا زِيَادَة وَلَا نُقْصَان فِيهِ، قَالَ ابْن عَبَّاس: أنظروا هَل يكون الاستنساخ إِلَّا من أصل.
قَوْله تَعَالَى: ﴿فَأَما الَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات فيدخلهم رَبهم فِي رَحمته﴾ أَي: جنته. وَقَوله: (ذَلِك هُوَ الْفَوْز الْمُبين) أَي: الْبَين.
قَوْله تَعَالَى: ﴿وَأما الَّذين كفرُوا أفلم تكن آياتي تتلى عَلَيْكُم﴾ يَعْنِي يُقَال لَهُم: أفلم تكن آياتي تتلى [عَلَيْكُم] أَي: ألم تكن آياتي تتلى عَلَيْكُم؟. وَقَوله: (فاستكبرتم) أَي: طلبتم الْكِبْرِيَاء وَالْعَظَمَة بترك التَّوْحِيد، وكل كَافِر متكبر، وكل مُؤمن متواضع.
وَقَوله: (وكنتم مجرمين) أَي: ذوى جرم.
قَوْله تَعَالَى: (وَإِذا قيل إِن وعد الله حق والساعة لَا ريب فِيهَا) أَي: لاشك فِيهَا.
وَقَوله: (قُلْتُمْ مَا نَدْرِي مَا السَّاعَة إِن نظن إِلَّا ظنا) أَي: نظن أَنَّك كَاذِب، ونظن أَنَّك صَادِق، وَلَا دَلِيل مَعنا على صدقك، وَأَن مَا قلته حق.