أَلِيم (٢٤) تدمر كل شَيْء بِأَمْر رَبهَا فَأَصْبحُوا لَا يرى إِلَّا مساكنهم كَذَلِك نجزي الْقَوْم الْمُجْرمين (٢٥) وَلَقَد مكناهم فِيمَا إِن مكناكم فِيهِ وَجَعَلنَا لَهُم سمعا وأبصارا وأفئدة)
وَفِي الْقِصَّة: أَن قوم هود قَالُوا لهود: أتوعدنا بِالرِّيحِ، وَأي الرّيح تصرعنا وتهلكنا، فروى أَن الله تَعَالَى أَمر الْملك الَّذِي هُوَ على خزانَة الرّيح أَن يُرْسل الرّيح من الخزانة فَقَالَ: وَكم أرْسلهُ؟ فَقيل لَهُ: على مِقْدَار منخر الثور، فَقَالَ: إِذا تقلب الأَرْض بِمن فِيهَا. فَقيل لَهُ: على قدر حَلقَة الْخَاتم فَأرْسلت على هَذَا الْقدر فَجعلت تطير بالظعن بَين السَّمَاء وَالْأَرْض، وَتحمل الرَّاعِي مَعَ غنمه وَإِبِله وتروحها إِلَى الْهَوَاء، ثمَّ تطرحها على الْجبَال وتشدخها، وَكَذَلِكَ فعلت بِجَمِيعِ عَاد حَتَّى أهلكتهم، وَفِي التَّفْسِير: أَنَّهَا كَانَت تحمل الرِّجَال بَين السَّمَاء وَالْأَرْض حَتَّى يرى كالجراد، وَكَانَ هَذَا الْعَذَاب مسخرا عَلَيْهِم سبع لَيَال وَثَمَانِية أَيَّام حسوما على مَا ذكر الله تَعَالَى فِي مَوضِع آخر.
وَفِي الْقِصَّة: أَن هود عَلَيْهِ السَّلَام اعتزل بقَوْمه الَّذين آمنُوا بِهِ وَخط لَهُم خطا، وَكَانَت الرّيح فِي ذَلِك الْخط أَلين ريح وأطيبها، وَهِي تعْمل بقَوْمه الْعَجَائِب. وَرُوِيَ أَنهم لما رَأَوْا الْعَذَاب وَأرْسلت الرّيح عَلَيْهِم دخلُوا بُيُوتهم، وَهِي من صَخْر، وَأَغْلقُوا الْأَبْوَاب، ففتحت الرّيح أَبْوَابهم ونزعتهم من بُيُوتهم، وأهالت الرمال عَلَيْهِم حَتَّى أهلكتهم تَحت الرمال، وَإِن أَنِين بَعضهم يسمع تحتهَا.
وَقَوله: ﴿تدمر كل شَيْء بِأَمْر رَبهَا﴾ أَي: بِإِذن رَبهَا.
وَقَوله: ﴿فَأَصْبحُوا لَا يرى إِلَّا مساكنهم﴾ رُوِيَ أَن الله تَعَالَى لما أهلكهم بعث بطير كثير حَتَّى التقطتهم وألقتهم فِي الْبَحْر، فَأَصْبَحت مساكنهم خَالِيَة عَن جَمِيعهم، فَذَلِك قَوْله تَعَالَى: ﴿فَأَصْبحُوا لَا يرى إِلَّا مساكنهم﴾.
وَقَوله: ﴿كَذَلِك نجزي الْقَوْم الْمُجْرمين﴾ أَي: ذُو الإجرام.
وَقَوله تَعَالَى: ﴿وَلَقَد مكناهم فِيمَا إِن مكناكم فِيهِ﴾ فِيهِ ثَلَاثَة أَقْوَال: أَحدهَا: فِيمَا لم نمكنكم فِيهِ أَي: جعلنَا تمكينهم ونعمهم فِي الأَرْض أَكثر وأوسع.
وَالْقَوْل الثَّانِي: مكناهم فِيمَا مكناكم فِيهِ، " وَإِن " صلَة.