﴿يتمتعون ويأكلون كَمَا تَأْكُل الْأَنْعَام وَالنَّار مثوى لَهُم (١٢) وكأين من قَرْيَة هِيَ أَشد قُوَّة من قريتك الَّتِي أخرجتك أهلكناهم فَلَا نَاصِر لَهُم (١٣) أَفَمَن كَانَ على بَيِّنَة من ربه كمن زين لَهُ سوء عمله وَاتبعُوا أهواءهم (١٤) مثل الْجنَّة الَّتِي وعد المتقون فِيهَا أَنهَار﴾
وَقَوله: ﴿أهلكناهم فَلَا نَاصِر لَهُم﴾ أَي: لم يكن لَهُم أحد يمنعهُم من عذابنا.
قَوْله تَعَالَى: ﴿أَفَمَن كَانَ على بَيِّنَة من ربه﴾ أَي: على يَقِين من أَمر ربه.
وَيُقَال: المُرَاد من الْآيَة مُحَمَّد.
وَقَوله: ﴿كمن زين لَهُ سوء عمله﴾ هُوَ أَبُو جهل، وَقيل: الْآيَة فِي جَمِيع الْمُؤمنِينَ وَالْكفَّار. وَمعنى الْآيَة: أَن الْفَرِيقَيْنِ لَا يستويان، فَحذف هَذَا لفهم الْمُخَاطب، وَهَذَا كَالرّجلِ يَقُول: من فعل الْخِيَار سعد، وَمن فعل السَّيِّئَات شقي. ثمَّ يَقُول: أَفَمَن سعد كمن [شقي]، يَعْنِي: لايكون، وَحذف لفهم الْمُخَاطب. وَقيل: الْألف فِي قَوْله: ﴿أَفَمَن﴾ ألف تَوْقِيف وَتَقْرِير لما علم الْمُخَاطب مِنْهُ.
وَقَوله: ﴿وَاتبعُوا أهواءهم﴾ أَي: اتبعُوا أهواءهم فِي اتِّبَاع الْكفْر.
قَوْله تَعَالَى: ﴿مثل الْجنَّة الَّتِي وعد المتقون﴾ فِي قِرَاءَة عَليّ رَضِي الله عَنهُ: " أَمْثَال الْجنَّة الَّتِي وعد المتقون " وَالْمعْنَى: صفة الْجنَّة الَّتِي وعد المتقون أَي: صِفَات الْجنَّة الَّتِي وعد المتقون، وَمَعْنَاهُ: وعد المتقون من (الشّرك).
وَقَوله: ﴿فِيهَا أَنهَار من مَاء غير الْخَيْر آسن﴾ أَي: غير متغير. يُقَال: أسن المَاء يأسن إِذا تغير، وأجن يأجن إِذا تغير أَيْضا، وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِك لِأَن المَاء يتَغَيَّر بطول الْمكْث، وَمَاء الْجنَّة لَا يتَغَيَّر بطول الْمكْث.
وَقَوله: ﴿وأنهار من لبن لم يتَغَيَّر طعمه﴾ أَي: يحمض. وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِك لِأَن اللَّبن إِذا مر عَلَيْهِ الزَّمَان يتَغَيَّر ويحمض، وَقد ثَبت أَن النَّبِي قَالَ: " أُوتيت بإناءين لَيْلَة الْمِعْرَاج فِي أَحدهمَا خمر، وَفِي الآخر لبن، فَأخذت اللَّبن وشربته، فَقَالَ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام: أصبت الْفطْرَة ".