﴿تعلموهم أَن تطئوهم فتصيبكم مِنْهُم معرة بِغَيْر علم ليدْخل الله فِي رَحمته من يَشَاء لَو تزيلوا لعذبنا الَّذين كفرُوا مِنْهُم عذَابا أَلِيمًا (٢٥) إِذْ جعل الَّذين كفرُوا فِي قُلُوبهم﴾ كَانَ قد أسلم رجال وَنسَاء (بِمَكَّة)، وَأَقَامُوا هُنَالك مختلطين بالمشركين، وَلم يكن يعرف مكانهم، فَقَالَ الله تَعَالَى: وَلَوْلَا هم يَعْنِي الْقَوْم الَّذين ذكرنَا ﴿لم تعلموهم أَن تطئوهم﴾ يَعْنِي: توقعوا بهم وتصيبوهم بِغَيْر علم إِن دَخَلْتُم محاربين مقاتلين.
وَقَوله: ﴿فتصيبكم مِنْهُم معرة بِغَيْر علم﴾ أَي: سبة، وَيُقَال: عيب وملامة، وَمَعْنَاهُ: أَن الْكفَّار يعيبونكم، وَيَقُولُونَ: إِنَّهُم يقتلُون أهل دينهم. وَيُقَال فِي المعرة: هِيَ لُزُوم الدِّيَة عِنْد الْقَتْل.
وَقَوله: ﴿ليدْخل الله فِي رَحمته من يَشَاء﴾ فِيهِ تَقْدِير مَحْذُوف، وَمَعْنَاهُ: حَال بَيْنكُم وَبينهمْ؛ ليدْخل الله فِي رَحمته من يَشَاء أَي: فِي الْإِسْلَام من يَشَاء.
وَقَوله: ﴿لَو تزيلوا﴾ أَي: لَو تميزوا أَي: لَو فَارق الْمُسلمُونَ الْكَافرين ﴿لعذبنا الَّذين كفرُوا مِنْهُم عذَابا أَلِيمًا﴾ وَمَعْنَاهُ: لَوْلَا أَصَابَتْكُم المعرة واختلاط [الْمُسلمين] بالكفار لعذبنا الَّذين كفرُوا أَي: بِالْقَتْلِ بِالسَّيْفِ.
قَوْله تَعَالَى: ﴿إِذْ جعل الَّذين كفرُوا فِي قُلُوبهم الحمية حمية الْجَاهِلِيَّة﴾ الحمية: الأنفة والامتناع عَن الشَّيْء غَضبا، وَمن الأنفة مَحْمُود ومذموم. وَيُقَال: فلَان حام حومته أَي: مَانع لحوزته. وَمعنى حمية الْجَاهِلِيَّة هَاهُنَا: هِيَ أَن الْكفَّار لم يتْركُوا النَّبِي أَن يدْخل [هُوَ] وَأَصْحَابه مَكَّة فِي ذَلِك الْعَام، وَقَالُوا: لَا يدْخل علينا مُحَمَّد أبدا على كره منا مَا بَقِي منا أحد، وَكَانَ ذَلِك أَنَفَة مِنْهُم وحمية، ثمَّ إِن الرَّسُول لما صَالح مَعَهم كَانَ فِي الصُّلْح أَن يرجع هَذَا الْعَام، وَيعود فِي الْعَام الْقَابِل فِي ذَلِك الشَّهْر بِعَيْنِه، وَيَقْضِي نُسكه، وَيُقِيم ثَلَاثًا وَيرجع. وَفِي الْآيَة قَول آخر: وَهُوَ أَن [معنى] حمية الْجَاهِلِيَّة: أَن سُهَيْل بن عَمْرو وَمَعَهُ حويطب بن عبد الْعُزَّى [جَاءُوا] ليعقدوا


الصفحة التالية
Icon