﴿وَلَكِن الله حبب إِلَيْكُم الْإِيمَان وزينه فِي قُلُوبكُمْ وَكره إِلَيْكُم الْكفْر والفسوق والعصيان أُولَئِكَ هم لراشدون (٧) فضلا من الله ونعمة وَالله عليم حَكِيم (٨) وَإِن طَائِفَتَانِ﴾ أَي: لهلكتم. وَقيل: غويتم وضللتم. وَيُقَال: نالكم التَّعَب وَالْمَشَقَّة.
وَقَوله: ﴿يطيعكم﴾ نوع مجَاز؛ لِأَن الطَّاعَة فِي الْحَقِيقَة فعل من الأدون على مُوَافقَة قَول الْأَعْلَى. وَقد رُوِيَ عَن بعض السّلف أَنه قَالَ: نعم الرب رَبنَا، لَو أطعناه مَا عصانا، وَهُوَ على طَرِيق الْمجَاز والتوسع فِي الْكَلَام، قَالَ الشَّاعِر:

(رب من أَصبَحت غيظا صَدره لَو تمنى فِي موتا لم يطع)
أَي: لم يدْرك مَا تمناه، وَهُوَ على طَرِيق الْمجَاز.
وَقَوله: ﴿وَلَكِن الله حبب إِلَيْكُم الْإِيمَان﴾ يُقَال: حببه بِإِقَامَة الدَّلَائِل على وحدانيته وهدايتهم إِلَيْهَا. وَيُقَال: حببه بِذكر الثَّوَاب والوعد الصَّادِق.
وَقَوله: ﴿وزينه فِي قُلُوبكُمْ﴾ حَتَّى قبلوه وآثروه على طَرِيق غَيره، وطبع الْآدَمِيّ مجبول على اخْتِيَار مَا زين فِي قلبه، فَلَمَّا هدى الله الْمُؤمنِينَ إِلَى الْإِيمَان، وأمال قُلُوبهم إِلَيْهِ حَتَّى قبلوه، سمى ذَلِك تزيينا للْإيمَان فِي قُلُوبهم.
وَقَوله: ﴿وَكره إِلَيْكُم الْكفْر﴾ يُقَال: كره الْكفْر بِذكر الْوَعيد والتخويف على فعله.
وَقَوله: ﴿والفسوق والعصيان﴾ والفسوق: كل مَا يفسق بِهِ الْإِنْسَان أَي: يخرج بِهِ عَن طَاعَة الله. والعصيان: مُخَالفَة الْأَمر.
وَقَوله: ﴿أُولَئِكَ هم الراشدون فضلا من الله ونعمة﴾ أَي: المهتدون تفضلا من الله وإنعاما.
وَقَوله: ﴿وَالله عليم حَكِيم﴾ أَي: عليم بخلقه، حَكِيم فِيمَا يدبره لَهُم.
قَوْله تَعَالَى: ﴿وَإِن طَائِفَتَانِ من الْمُؤمنِينَ اقْتَتَلُوا﴾ قَالَ سعيد بن جُبَير وَغَيره: الْآيَة فِي الْأَوْس والخزرج، كَانَ بَينهم قتال بِالْجَرِيدِ وَالنعال وَالْأَيْدِي فِي أَمر تنازعوه بَينهم.


الصفحة التالية
Icon