﴿وَجَاءَت كل نفس مَعهَا سائق وشهيد (٢١) لقد كنت فِي غَفلَة من هَذَا فكشفنا عَنْك غطاءك فبصرك الْيَوْم حَدِيد (٢٢) وَقَالَ قرينه هَذَا مَا لدي عتيد (٢٣) ألقيا فِي جَهَنَّم﴾ يدْخل النَّار. وَفِي الْأَثر الْمَعْرُوف أَن أَبَا بكر رَضِي الله عَنهُ لما احْتضرَ كَانَت عَائِشَة عِنْده فأنشدت:
(لعمرك مَا يغنى الثراء عَن الْفَتى | إِذا حشرجت يَوْمًا وضاق بهَا الصَّدْر) |
وَقَوله: ﴿ذَلِك مَا كنت بِهِ تحيد﴾ أَي: تَفِر وتهرب، وَيسْتَحب لِلْمُؤمنِ حب الْمَوْت؛ لِأَنَّهُ بِهِ يستخلص من الأوزار، ويصل إِلَى محبوبه إِن قدر لَهُ خير. وَعَن بعض السّلف: لَا يكره الْمَوْت إِلَّا مريب. وَإِنَّمَا كره تمني الْمَوْت بضر نزل بِهِ على مَا فِي الْخَبَر. فَأَما إِذا تمنى الْمَوْت ليستخلص من الدُّنْيَا وفتنها وشوقا إِلَى لِقَاء ربه فَهُوَ مَحْبُوب.
وَقَوله: ﴿وَنفخ فِي الصُّور ذَلِك يَوْم الْوَعيد﴾ أَي: يَوْم وَعِيد الْكفَّار ووعد الْمُؤمنِينَ.
قَوْله تَعَالَى: ﴿وَجَاءَت كل نفس مَعهَا سائق وشهيد﴾ السَّائِق: هُوَ الْملك، والشهيد: هُوَ الْعَمَل، قَالَه قَتَادَة وَمُجاهد وَالضَّحَّاك. وَيُقَال: السَّائِق: ملك السَّيِّئَات، والشهيد: ملك الْحَسَنَات. وَيُقَال: السَّائِق: الشَّيْطَان، والشهيد: الْملك. وَقيل فِي الشَّهِيد: إِنَّه الْجَوَارِح.
قَوْله تَعَالَى: ﴿لقد كنت فِي غَفلَة من هَذَا﴾ يُقَال: إِن هَذَا فِي الْكفَّار؛ لأَنهم فِي الْغَفْلَة من الْآخِرَة على الْحَقِيقَة. وَيُقَال: فِي كل غافل.
وَقَوله: ﴿فكشفنا عَنْك غطاءك﴾ أَي: كشفنا عَنْك مَا غشيك وغطى سَمعك وبصرك وعقلك، حَتَّى لم تسمع وَلم تبصر وَلم تعقل الْحق، وَهُوَ فِي معنى قَوْله تَعَالَى: ﴿أسمع بهم وَأبْصر﴾.