﴿يؤفك عَنهُ من أفك (٩) قتل الخراصون (١٠) الَّذين هم فِي غمرة ساهون (١١) ﴾ بَعضهم يَقُول: هُوَ سَاحر، وَبَعْضهمْ يَقُول: شَاعِر، وَبَعْضهمْ يَقُول: مَجْنُون، وعَلى هَذَا وَقع الْقسم، وَقيل: ﴿إِنَّكُم لفي قَول مُخْتَلف﴾ أَي: مُنَاقض، ذكره الْقفال الشَّاشِي. وَمعنى التَّنَاقُض فِي هَذَا: أَنهم أقرُّوا بالنشأة الأولى، وأنكروا النشأة الْأُخْرَى، وَهَذَا تنَاقض؛ لِأَن من قدر على النشأة الأولى فَهُوَ على النشأة الْأُخْرَى أقدر.
وَقَوله: ﴿يؤفك عَنهُ من أفك﴾ أَي: يصرف عَنهُ من صرف، وَقيل: يصرف عَن الْإِقْرَار بِهِ من صرف عَنهُ فِي علم الله وَحكمه، وَيُقَال: من صرف عَن هَذَا الْخَيْر فقد صرف عَن الْخَيْر كُله، كَمَا يُقَال: من حرم عَن كَذَا فقد حرم. وَفِي التَّفْسِير: أَن أَمر النَّبِي لما انْتَشَر من قبائل الْعَرَب جعلُوا يبعثون الْوَاحِد والاثنين يسْأَلُون عَن خَبره، فَكَانَ الْمُشْركُونَ فِي أَيَّام الْمَوْسِم يبعثون النَّاس فِي الطرقات حَتَّى إِذا جَاءَ السَّائِل. [وسألهم] عَن مُحَمَّد قَالُوا: هُوَ مَجْنُون كَذَّاب، وَذكروا أَمْثَال هَذَا، [وَكَانُوا] يرجعُونَ قبل أَن يلقوه، وَيَقُولُونَ: قومه أعلم بِهِ.
وَقَوله: ﴿قتل الخراصون﴾ أَي: لعن الكذابون، وَهَذَا هُوَ الْمُتَّفق عَلَيْهِ من أهل التَّفْسِير. وَعَن بَعضهم: أَنه لَا يعرف قتل بِمَعْنى لعن فِي اللُّغَة، وَمَعْنَاهُ: أَن الخراصين قد أَتَوا بِمَا يسْتَحقُّونَ [بِهِ] الْقَتْل، ولعنة الله إيَّاهُم إهلاك لَهُم، فَهُوَ قَتلهمْ. والخارص هُوَ الَّذِي يَقُول بالحدس وَالظَّن.
وَقَوله: ﴿الَّذين هم فِي غمرة ساهون﴾ قَالَ السدى: فِي غَفلَة لاهون، وَيُقَال: فِي حيرة وعمى، وَقيل: فِي شكّ وجهالة، كَأَن الْجَهْل والعمى غمر حَالهم، وَمِنْه المَاء الْغمر إِذا كَانَ يُغطي من ينزل فِيهِ. وَيُقَال: ساهون يتمادون يَعْنِي: أَن الشَّك والضلالة يتمادى بهم.