﴿وبالأسحار هم يَسْتَغْفِرُونَ (١٨) وَفِي أَمْوَالهم حق للسَّائِل والمحروم (١٩) وَفِي﴾
وَقَوله: ﴿وبالأسحار هم يَسْتَغْفِرُونَ﴾ فِيهِ قَولَانِ: أَحدهمَا: أَنه الاسْتِغْفَار نَفسه، وَالْآخر أَن مَعْنَاهُ: الصَّلَاة. وَقد كَانَ فِي قيام اللَّيْل من دأب أَصْحَاب رَسُول الله وَالتَّابِعِينَ من بعد. رُوِيَ عَن الْعَبَّاس بن عبد الْمطلب وَكَانَ جارا لعمر رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: عجبا لعمر نَهَاره صِيَام وحوائج النَّاس، وَلَيْلَة قيام. وَعَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ أَنه كَانَ يُصَلِّي أَكثر اللَّيْل. وَعَن عُثْمَان أَنه كَانَ يحيي اللَّيْل بِرَكْعَة، وَهِي وتره. وَعَن ابْن عمر أَنه كَانَ لَا ينَام من اللَّيْل إِلَّا الْقَلِيل. وَعَن شَدَّاد بن أَوْس أَنه كَانَ إِذا مَال إِلَى فرَاشه يكون كالحية على المقلاة، ثمَّ يَقُول: إِن النَّار منعتني النّوم، ثمَّ يقوم فَيصَلي حَتَّى يصبح. وَحَدِيث عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ مَعْرُوف " أَنه كَانَ يقوم اللَّيْل ويصوم النَّهَار إِلَى أَن سهل عَلَيْهِ رَسُول الله بعض ذَلِك ".
وَقَوله: ﴿وَفِي أَمْوَالهم حق﴾ يُقَال: إِنَّه الزَّكَاة الْمَفْرُوضَة، وَيُقَال: مَا سوى الزَّكَاة من الْحُقُوق، وَذَلِكَ أَن يحمل كلا، أَو يصل رحما، أَو يُعْطي فِي نائبة، أَو يعين ضَعِيفا.
وَقَوله: ﴿للسَّائِل﴾ هُوَ الطّواف على الْأَبْوَاب. وَيُقَال: كل من سَأَلَ.
وَقَوله: ﴿والمحروم﴾ فِيهِ أَقْوَال: قَالَ ابْن عَبَّاس: هُوَ المحارف، وَهُوَ الَّذِي لَا يَتَيَسَّر لَهُ كسب وَلَا معيشة. وَعَن بَعضهم: هُوَ الَّذِي لَا سهم لَهُ من الْغَنِيمَة، وَقد ضعف هَذَا القَوْل؛ لِأَن السُّورَة مَكِّيَّة، والغنائم كَانَت بعد الْهِجْرَة.
وَيُقَال: المحروم هُوَ الَّذِي لَا يسْأَل النَّاس، وَلَا يفْطن لَهُ فَيعْطى.
وَعَن الْحسن بن مُحَمَّد الْحَنَفِيَّة: هُوَ الَّذِي أَصَابَته (الْجَائِحَة) فِي مَاله، وَهَذَا قَول حسن يشْهد لَهُ قَوْله تَعَالَى فِي سُورَة " ن " ﴿فَلَمَّا رَأَوْا قَالُوا إِنَّا لضالون بل نَحن محرومون﴾ وَكَانَ قد هلك مَالهم بالجائحة. وَيُقَال: المحروم هُوَ الْكَلْب، ذكره النقاش فِي تَفْسِيره، وَرَوَاهُ عَن مُحَمَّد بن عَليّ بن الْحُسَيْن، وَعمر بن عبد الْعَزِيز. رُوِيَ


الصفحة التالية
Icon