﴿ذُو مرّة فَاسْتَوَى (٦) وَهُوَ بالأفق الْأَعْلَى (٧) ثمَّ دنا فَتَدَلَّى (٨) ﴾
وروى عباد بن مَنْصُور عَن الْحسن الْبَصْرِيّ أَن قَوْله: " علمه شَدِيد القوى " هُوَ الله تَعَالَى. والقوى جمع الْقُوَّة. قَالَ ابْن عَبَّاس: من قُوَّة جِبْرِيل أَنه أَدخل جنَاحه تَحت الأَرْض السَّابِعَة، وَقلع مَدَائِن لوط، ورفعها إِلَى السَّمَاء، ثمَّ قَلبهَا. وَعَن كَعْب الحبر: أَن إِبْلِيس تعرض لعيسى عَلَيْهِ السَّلَام على عقبَة من الأعقاب، وقصده، فنفخه جِبْرِيل بجناحه نفخة أَلْقَاهُ إِلَى الْهِنْد.
قَوْله تَعَالَى: ﴿ذُو مرّة فَاسْتَوَى﴾ قَالَ الْحسن: ذُو مرّة أَي: ذُو منظر حسن. وَقَالَ غَيره وَهُوَ الأولى ذُو قُوَّة. يُقَال: حَبل مري أَي: مُحكم الفتل.
وَقَوله: ﴿فَاسْتَوَى﴾ أَي: فَاسْتَوَى جِبْرِيل فِي أفق السَّمَاء على صورته الَّتِي خلق فِيهَا. وَكَذَا قَول ابْن مَسْعُود وَابْن عَبَّاس وَمُجاهد وَقَتَادَة وعلقمة وقرة بن شرَاحِيل وَأكْثر أهل التَّفْسِير. وَعَن الْحسن الْبَصْرِيّ: أَنه الله تَعَالَى، وَالأَصَح هُوَ الأول.
قَوْله تَعَالَى: ﴿وَهُوَ بالأفق الْأَعْلَى﴾ هُوَ الْأُفق الَّذِي تطلع من جَانِبه الشَّمْس. وَقيل: الَّذِي يَجِيء مِنْهُ النَّهَار. والأفق: جَوَانِب السَّمَاء. وَيُقَال بالأفق الْأَعْلَى أَي: بالسماء. وَفِي الْأَخْبَار: " أَن جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام أظهر نَفسه للنَّبِي على صورته الَّتِي خلق عَلَيْهَا، وَقد سد الْأُفق ".
وَفِي بعض الرِّوَايَات: رَأسه فِي السَّمَاء وَرجلَاهُ فِي الأَرْض، فقد مَلأ بجناحيه مَا بَين الْمشرق وَالْمغْرب.
قَوْله تَعَالَى: ﴿ثمَّ دنا﴾ أَي: دنا جِبْرِيل من النَّبِي عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام.
وَقَوله: ﴿فَتَدَلَّى﴾ أَي: زَاد فِي الدنو. وَقَالَ بَعضهم: قَوْله: ﴿ثمَّ دنا فَتَدَلَّى﴾ على التَّقْدِيم وَالتَّأْخِير.
وَقَوله: ﴿تدلى﴾ أَي: هوى وَأرْسل نَفسه من السَّمَاء، ثمَّ دنا أَي: دنا جِبْرِيل من


الصفحة التالية
Icon