﴿مَا زاغ الْبَصَر وَمَا طَغى (١٧) لقد رأى من آيَات ربه الْكُبْرَى (١٨) أَفَرَأَيْتُم اللات والعزى (١٩) وَمَنَاة الثَّالِثَة الْأُخْرَى (٢٠) ﴾ شمالا. وَيُقَال مَعْنَاهُ: مَا قصر عَمَّا أَمر بِالنّظرِ إِلَيْهِ، وَمَا جَاوز بَصَره فِي النّظر إِلَى غير مَا أَمر بِهِ بِالنّظرِ. وَمعنى الزيغ فِي اللُّغَة: هُوَ الْميل بِهِ، وَمعنى الطغيان: هُوَ التجاوز.
قَوْله تَعَالَى: ﴿وَلَقَد رأى من آيَات ربه الْكُبْرَى﴾ قَالَ ابْن مَسْعُود: أَي: جِبْرِيل وَله سِتّمائَة جنَاح قد سد الْأُفق. وَفِي رِوَايَة ينتشر من ريشه الدّرّ والياقوت (والتعاويذ). وَفِي رِوَايَة أُخْرَى عَن ابْن مَسْعُود: أَنه رأى رفرفا أَخْضَر قد مَلأ الْأُفق.
وَتَقْدِير الْآيَة: " رأى من آيَات ربه الْآيَة الْكُبْرَى ". وَقيل: رأى من آيَات ربه الْكُبْرَى، أَي: النُّور الَّذِي رَآهُ فِي تِلْكَ اللَّيْلَة.
قَوْله تَعَالَى: ﴿أَفَرَأَيْتُم اللات والعزى وَمَنَاة الثَّالِثَة الْأُخْرَى﴾ مَعْنَاهُ: أَفَرَأَيْتُم هَذِه الْأَصْنَام الَّتِي تعبدونها، هَل تملك شَيْئا مِمَّا ذكر الله تَعَالَى؟ أَو هَل لَهَا من الْعُلُوّ والرفعة وَالْقُدْرَة مثل مَا ذكرنَا؟.
وَأما تَفْسِير هَذَا الْأَصْنَام: " فلات " صنم كَانَت ثَقِيف تعبده، وَقيل: إِنَّه كَانَ صَخْرَة. وَأما " الْعُزَّى " فشجرة كَانَت تعبدها غطفان وجشم وسليم. وَيُقَال: كَانَت بَيت عَلَيْهِ سدنة، وَكَانَت الْعَرَب قد عَلقُوا عَلَيْهِ السوار، وزينوه بالعهن وَمَا يُشبههُ. وَقد رُوِيَ عَن النَّبِي " أَنه بعث خَالِد بن الْوَلِيد ليهْدم الْعُزَّى فَقطع شجرات ثمَّ، وَهدم بعض الْهدم، فَرجع إِلَى النَّبِي وَأخْبرهُ، فَقَالَ: هَل رَأَيْت شَيْئا؟ فَقَالَ: لَا. قَالَ: إِنَّك لم تفعل، عد، فَعَاد وَبَالغ فِي الْهدم وَقتل السَّدَنَة، وَكَانُوا يَقُولُونَ: يَا عزى عوزيه، يَا عزى خبليه. قَالَ: فَخرجت امْرَأَة عُرْيَانَة من جَوف الْعُزَّى، نَاشِرَة شعرهَا، تَدْعُو بِالْوَيْلِ وَالثُّبُور، وتحثو التُّرَاب على رَأسهَا، فعمها خَالِد بِالسَّيْفِ وقتلها، وَرجع


الصفحة التالية
Icon