﴿وَإِن يرَوا آيَة يعرضُوا ويقولوا سحر مُسْتَمر (٢) ﴾
فَإِن قيل: ابْن عَبَّاس لم يكن رأى انْشِقَاق الْقَمَر، فَكيف تصح رِوَايَته؟ وَأما ابْن مَسْعُود فقد تفرد بِهَذِهِ الرِّوَايَة، وَلَو كَانَ قد انْشَقَّ الْقَمَر لرواه جَمِيع أَصْحَاب رَسُول الله، وَأَيْضًا لَو كَانَ ثَابتا لرواه جَمِيع النَّاس، ولأرخوا لَهُ تَارِيخا؛ لأَنهم قد أَرخُوا مَا دون هَذَا من الْحَوَادِث، وَإِنَّمَا معنى الْآيَة: انْشَقَّ الْقَمَر أَي: ينشق، وَذَلِكَ يَوْم الْقِيَامَة. وَيُقَال: معنى انْشَقَّ الْقَمَر أَي: انكسف.
وَالْجَوَاب: أَنه قد ثَبت انْشِقَاق الْقَمَر بالرواية الصَّحِيحَة. رَوَاهُ ابْن مَسْعُود وَجبير بن مطعم شَهدا بِالرُّؤْيَةِ، وَرَوَاهُ ابْن عَبَّاس وَابْن عمر وَأنس، وروى بَعضهم عَن بَعضهم عَن عبد الله بن عَمْرو، وَمن الْمُحْتَمل أَنه رُوِيَ عَن رُؤْيَة، وَقد كَانَ ابْن مَسْعُود روى هَذَا عَن [رُؤْيَته]، وَلم يُنكر عَلَيْهِ أحد من الصَّحَابَة، فَكَانَ ذَلِك اتِّفَاقًا مِنْهُم، ثمَّ الدَّلِيل الْقَاطِع على ثُبُوته الْآيَة.
وَقَوله إِن مَعْنَاهُ سينشق الْقَمَر. قُلْنَا: هَذَا عدُول عَن ظَاهر الْآيَة، وَلَا يجوز إِلَّا بِدَلِيل قَاطع، وَلِأَن الله تَعَالَى قَالَ:
﴿وَإِن يرَوا آيَة يعرضُوا ويقولوا سحر مُسْتَمر﴾ وَهَذَا دَلِيل على أَنهم قد رأوها، وَلِأَنَّهُ سَمَّاهُ آيَة، وَإِنَّمَا يكون آيَة إِذا كَانَت فِي الدُّنْيَا؛ لِأَن الْآيَة هَاهُنَا بِمَعْنى الدّلَالَة وَالْعبْرَة.
وَقَوله: إِن النَّاس لم يرَوا. قُلْنَا: يحْتَمل أَنه كَانَ فِي زمَان غَفلَة النَّاس، أَو تستر عَنْهُم بغيم، وَقد رد الله تَعَالَى الشَّمْس ليوشع بن نون، وَلم ينْقل أرخ لذَلِك أَيْضا. وَقد ذكر فِي بعض التفاسير أَن أهل مَكَّة قَالُوا: سحرنَا ابْن أبي كَبْشَة، فَقَالَ بَعضهم: سلوا السفار الَّذين يقدمُونَ، فَإِنَّهُ إِن كَانَ سحرنَا فَلَا يقدر أَن يسحر جَمِيع النَّاس، فَقدم السفار وسألوهم وأخبروا أَنهم قد رَأَوْا.
قَوْله تَعَالَى: ﴿وَإِن يرَوا آيَة يعرضُوا ويقولوا سحر مُسْتَمر﴾ قَالَ الْفراء: أَي: يشبه بعضه بَعْضًا، فَيحْتَمل أَن يكون مَعْنَاهُ: فعله هَذَا فِي السحر يشبه سَائِر أَفعاله فِي


الصفحة التالية
Icon