﴿معشر الْجِنّ وَالْإِنْس إِن اسْتَطَعْتُم أَن تنفذوا من أقطار السَّمَوَات وَالْأَرْض فانفذوا لَا تنفذون إِلَّا بسُلْطَان (٣٣) فَبِأَي آلَاء رَبكُمَا تُكَذِّبَانِ (٣٤) يُرْسل عَلَيْكُمَا شواظ من نَار﴾ لَك أَي: أقصدك وأعمدك، فَمَعْنَى قَوْله: ﴿سنفرغ لكم﴾ أَي: سنقصد ونعمد بلمؤاخذة والمجازاة.
وَأنْشد الْمبرد فِي هَذَا الْمَعْنى قَول جرير:
(لما اتَّقى الْقَيْن الْعِرَاقِيّ [باسته] | فرغت إِلَى العَبْد الْمُقَيد فِي الحجل) |
قَوْله تَعَالَى: ﴿يَا معشر الْجِنّ وَالْإِنْس إِن اسْتَطَعْتُم أَن تنفذوا من أقطار السَّمَوَات وَالْأَرْض﴾ أَي: جَوَانِب السَّمَوَات وَالْأَرْض.
وَقَوله: ﴿أَن تنفذوا﴾ أَي: تخْرجُوا.
وَقَوله: ﴿فانفذوا﴾ أَي: اخْرُجُوا، وَهَذَا على طَرِيق التهديد.
وَقَوله: ﴿لَا تنفذون إِلَّا بسُلْطَان﴾ أَي: حجَّة. وَيُقَال: لَا تنفذون إِلَّا فِي سُلْطَان، وَالْبَاء بِمَعْنى فِي، حَيْثُمَا كُنْتُم فَأنْتم فِي سلطاني وملكي. وَاخْتلفُوا أَن هَذَا القَوْل مَتى يكون؟ فالأكثرون على أَنه يَوْم الْقِيَامَة يكون، وَينزل الله تَعَالَى لملائكة حَتَّى ينفذوا على أقطار السَّمَوَات وَالْأَرْض، فَإِذا رأى الْجِنّ وَالْإِنْس أهوال الْقِيَامَة هربوا، فتردم الْمَلَائِكَة.
وروى أَبُو صَالح عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: بَيْنَمَا يكون النَّاس فِي أسواقهم إِذا رَأَوْا السَّمَاء قد تشققت، وَنزلت الْمَلَائِكَة، فيهرب النَّاس، فتتبعهم الْمَلَائِكَة ويردونم إِلَى أَمر الله تَعَالَى وَهُوَ الْهَلَاك. وَهَذَا قَول غَرِيب. وَيُقَال: إِن المُرَاد هُوَ الْهَرَب من الْمَوْت، يَعْنِي: إِن اسْتَطَعْتُم أَن تنفذوا من أقطار السَّمَوَات وَالْأَرْض هربا من الْمَوْت فانفذوا.
وَقَوله: ﴿لَا تنفذون إِلَّا بسُلْطَان﴾ يَعْنِي: حَيْثُ مَا كُنْتُم أدرككم.
قَوْله تَعَالَى: ﴿يُرْسل عَلَيْكُمَا شواظ من نَار﴾ أَي: لَهب من نَار، قَالَه ابْن عَبَّاس.
الصفحة التالية