﴿وجنى الجنتين دَان (٥٤) فَبِأَي آلَاء رَبكُمَا تُكَذِّبَانِ (٥٥) فِيهِنَّ قاصرات الطّرف لم يطمثهن إنس وَلَا جَان (٥٦) فَبِأَي آلَاء رَبكُمَا تُكَذِّبَانِ (٥٧) ﴾
وَقَوله: ﴿وجنى الجنتين دَان﴾ أَي: ثمار الجنتين دانية، وَمِنْه قَول الْعَرَب: هَذَا جناي خِيَار فِيهِ، إِذْ كل جَان يَده إِلَى فِيهِ، وَهُوَ يَحْكِي عَن عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ حِين دخل بَيت المَال بِالْكُوفَةِ، وَرَأى مَا فِيهِ من الذَّهَب ولبفضة فَقَالَ: يَا صفراء، وَيَا بَيْضَاء غرا غَيْرِي، ثمَّ قَالَ: هَذَا جناي... إِلَى آخِره.
وَقَوله: ﴿دَان﴾ أَي: قريب المتناول. قَالَ قَتَادَة: لَا يردهُ عَنْهَا بعد وَلَا شوك. وَقَالَ غَيره: يَتَنَاوَلهَا قَائِما وَقَاعِدا ومضطجعا.
قَوْله تَعَالَى: ﴿فِيهِنَّ قاصرات الطّرف﴾ فَإِن قيل: كَيفَ قَالَ: ﴿فيهم﴾ وَإِنَّمَا ذكر الجنتين؟
وَالْجَوَاب: قَالَ بَعضهم: إِن الِاثْنَيْنِ يذكران بِلَفْظ الْجمع، فَيجوز أَن يرد الْكَلَام إِلَيْهِمَا بِلَفْظ الْجمع. وَالأَصَح أَن قَوْله: ﴿فِيهِنَّ﴾ ينْصَرف إِلَى الْفرش، وَمَعْنَاهُ: عَلَيْهِنَّ، مثل قَوْله: ﴿ولأصلبنكم فِي جُذُوع النّخل﴾ أَي: على جُذُوع.
وَقَوله: ﴿قاصرات الطّرف﴾ أَي: قصرن أطرافهن على أَزوَاجهنَّ لَا يرَوْنَ غَيرهم، وَهَذَا أحسن خصْلَة من خِصَال النِّسَاء. قَالَ ابْن مَسْعُود: لسن بمتبرجات، وَلَا ضماخات، وَلَا دفرات. وَقَالَ بَعضهم: لسن بمتشرغات، وَلَا بمتطلعات، وَلَا صياحات، وَلَا صخابات. وَقَالَ الْحسن: لسن بالطوافات فِي الْأَسْوَاق.
وَقَوله: ﴿لم يطمثهن إنس قبلهم وَلَا جَان﴾ أَي: لم يمسسهن إنسي وَلَا جني. قَالَ الْفراء: الطمث: هُوَ الْوَطْء بالتدمية، وَهُوَ الافتضاض.
قَالَ الفرزدق: