﴿وَلَا ينزفون (١٩) وَفَاكِهَة مِمَّا يتخيرون (٢٠) وَلحم طير مِمَّا يشتهون (٢١) وحور عين (٢٢) كأمثال اللُّؤْلُؤ الْمكنون (٢٣) جَزَاء بِمَا كَانُوا يعْملُونَ (٢٤) لَا يسمعُونَ فِيهَا لَغوا وَلَا تأثيما (٢٥) إِلَّا قَلِيلا سَلاما سَلاما (٢٦) ﴾
وَقَوله: ﴿لَا يصدعون عَنْهَا﴾ أَي: لَا يلحقهم من شربهَا صداع مثل مَا يُصِيب شَارِب الْخمر فِي الدُّنْيَا.
وَقَوله: ﴿وَلَا ينزفون﴾ أَي: وَلَا تذْهب عُقُولهمْ. وَقيل: لَا يسكرون. وَقيل: لَا تَتَغَيَّر ألوانهم، وَقيل: لَا يقيئون مثل مَا يقئ شَارِب الْخمر فِي الدُّنْيَا. وَفِي اللُّغَة يُسمى ذَاهِب اللَّوْن منزوفا، وذاهب الْعقل نزيفا، وَكَذَلِكَ العطشان، قَالَ الشَّاعِر:

(فلثمت فاها آخِذا بقرونها شرب النزيف بِبرد مَاء الحشرج)
وَقَرَأَ ابْن مَسْعُود: " وَلَا ينزفون " بِكَسْر الزَّاي، وَمَعْنَاهُ: لَا تفنى خمرهم.
قَوْله تَعَالَى: ﴿وَفَاكِهَة مِمَّا يتخيرون﴾ أَي: يختارون.
وَقَوله تَعَالَى: ﴿وَلحم طير مِمَّا يشتهون﴾ أَي: يُرِيدُونَ.
وَقَوله: ﴿وحور عين﴾ بِالرَّفْع فيهمَا، وَقُرِئَ بِالْكَسْرِ فيهمَا، وَقُرِئَ بِالْفَتْح فيهمَا فِي الشاذ، فعلى الرّفْع مَعْنَاهُ: وَلَهُم حور عين، وعَلى الْكسر مَعْنَاهُ: وَيُطَاف عَلَيْهِم بحور عين، وعَلى النصب مَعْنَاهُ: ويعطون حورا عينا. وَالْمَشْهُور بِالرَّفْع والخفض، وَسميت الْحور حورا؛ لبياضهن وَشدَّة سَواد أعينهن، وَقيل: سمين حورا؛ لِأَن الطّرف يحار فِيهِنَّ.
وَقَوله: ﴿عين﴾ أَي: حسان الْأَعْين، وَهُوَ مَا ذكرنَا من بَيَاض الْبشرَة وَسَوَاد الحدقة.
وَقَوله: ﴿كأمثال اللُّؤْلُؤ الْمكنون﴾ أَي: اللُّؤْلُؤ الْمكنون فِي أصدافه لم تنله يَد.
وَقَوله: ﴿جَزَاء بِمَا كَانُوا يعْملُونَ﴾ أَي: ثَوابًا لَهُم لعملهم.
قَوْله تَعَالَى: ﴿لَا يسمعُونَ فِيهَا لَغوا وَلَا تأثيما﴾ أَي: كلَاما بَاطِلا، وكلاما يَأْثَم بِهِ قَائِله، واللغو كل مَا يلغى.
وَقَوله: ﴿إِلَّا قَلِيلا سَلاما سَلاما﴾ مَعْنَاهُ: إِلَّا قَوْلهم السَّلَام بعد السَّلَام، والتحية بعد
﴿وَأَصْحَاب الْيَمين مَا أَصْحَاب الْيَمين (٢٧) فِي سدر مخضود (٢٨) وطلح منضود
التَّحِيَّة. وَقد قَالُوا: إِن الِاسْتِثْنَاء هَاهُنَا من غير جنس الْمُسْتَثْنى مِنْهُ، فَهُوَ مُنْقَطع، وَهُوَ بِمَعْنى لَكِن. وَقيل: إِنَّه من جنس الْمُسْتَثْنى مِنْهُ؛ لِأَن اللَّغْو كَلَام مسموع، وَالسَّمَاع كَلَام مسموع، وَاخْتلفُوا فِي نصب قَوْله: {سَلاما﴾
قَالَ بَعضهم: انتصب لِأَن مَعْنَاهُ: سلمك الله سَلاما أَي: يَقُول بَعضهم لبَعض، وَمِنْهُم من قَالَ: انتصب تبعا لقَوْله: ﴿قيلا﴾ لِأَن سَلاما هُوَ الْفِعْل الْمَذْكُور.
وَقَوله تَعَالَى: ﴿وَأَصْحَاب الْيَمين مَا أَصْحَاب الْيَمين﴾ قد بَينا، وَعَن مَيْمُون بن مهْرَان قَالَ: لَهُم منزلَة دون منزلَة المقربين. وروى جَعْفَر بن مُحَمَّد عَن أَبِيه عَن جده: أَنهم الَّذين خلطوا عملا صَالحا وَآخر سَيِّئًا ثمَّ تَابُوا. وَذكر الضَّحَّاك عَن ابْن عَبَّاس: أَن الله تَعَالَى مسح صفحة ظهر آدم الْيُمْنَى فاستخرج مِنْهَا ذُرِّيَّة شبه الذَّر بيضًا؛ وَقَالَ لَهُم: ادخُلُوا الْجنَّة برحمتي، ثمَّ مسح صفحة ظَهره اليسى واستخرج مِنْهَا ذُرِّيَّة كالحمم سَوْدَاء، وَقَالَ لَهُم: ادخُلُوا النَّار وَلَا أُبَالِي. وَفِي رِوَايَة: أَخذ بِيَمِينِهِ كل طيب، وَأخذ بِشمَالِهِ كل خَبِيث. وَفِي الصَّحِيح "أَن كلتا يَدَيْهِ يَمِين". فعلى هَذَا معنى قَوْله: ﴿وَأَصْحَاب الْيَمين﴾ هم الَّذين أخذُوا من صفحة ظهر آدم الْيُمْنَى.
وَقَوله: ﴿فِي سدر مخضود﴾ أَي: قد قطع شوكه وَنزع. والسدر: شجر النبق، قَالَ السّديّ: ثَمَرَة أحلى من الْعَسَل. وَقيل: مخضود أَي: موقر حملا. وَيُقَال: لَا عجم فِي ثمره. وَفِي اللُّغَة الخضد هُوَ الْقطع. قَالَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي صفة مَكَّة: "لَا يخضد شَجَرهَا" أَي: لَا يقطع.
وَقَوله: ﴿وطلح منضود﴾ قَرَأَ عَليّ رَضِي الله عَنهُ: "وطلع منضود" وَهُوَ مثل قَوْله


الصفحة التالية
Icon