﴿الْحَمِيم (٥٤) فشاربون شرب الهيم (٥٥) هَذَا نزلهم يَوْم الدّين (٥٦) نَحن خَلَقْنَاكُمْ فلولا تصدقُونَ (٥٧) أَفَرَأَيْتُم مَا تمنون (٥٨) أأنتم تخلقونه أم نَحن الْخَالِقُونَ (٥٩) نَحن قَدرنَا بَيْنكُم الْمَوْت﴾
وَقَوله: ﴿فشاربون عَلَيْهِ من الْحَمِيم﴾ قَالَ ذَلِك لِأَن من أكل شَيْئا و [وغص] مِنْهُ عَطش وَشرب.
وَقَوله: ﴿فشاربون شرب الهيم﴾ قَالَ ابْن عَبَّاس: الْإِبِل العطاش. وَعند أهل اللُّغَة أَن الهيم دَاء يُصِيب الْإِبِل، فتعطش، وَلَا تروى أبدا حَتَّى لَا تزَال تشرب فتهلك. وَيُقَال: شرب الهيم: الرمل كلما يصب عَلَيْهِ المَاء لم يظْهر عَلَيْهِ ويشربه.
وَقَوله: ﴿هَذَا نزلهم يَوْم الدّين﴾ أَي: رزقهم وعطاؤهم. فَإِن قيل: النزل إِنَّمَا يسْتَعْمل فِي الْإِكْرَام وَالْإِحْسَان، وَالْجَوَاب: أَنه لما جعل هَذَا فِي مَوضِع النزل لأهل الْجنَّة سَمَّاهُ نزلا، وَهُوَ كَمَا أَنه سمى عقوبتهم ثَوابًا، ووعيدهم بِشَارَة، وَالْمعْنَى فِيهِ مَا بَينا.
وَقَوله: ﴿نَحن خَلَقْنَاكُمْ فلولا تصدقُونَ﴾ أَي: هلا تصدقُونَ مَعَ ظُهُور هَذِه الدَّلَائِل أَي: صدقُوا.
قَوْله تَعَالَى: ﴿أَفَرَأَيْتُم مَا تمنون﴾ الإمناء: إِلْقَاء المنى.
وَقَوله: ﴿أأنتم تخلقونه﴾ أَي: تخلقون مِنْهُ الْإِنْسَان.
وَقَوله: ﴿أم نَحن الْخَالِقُونَ﴾ أَي: بل نَحن الْخَالِقُونَ. قَالَ الْأَزْهَرِي فِي هَذِه الْآيَة: إِن الله تَعَالَى احْتج عَلَيْهِم بأبلغ دَلِيل فِي الْبَعْث والإحياء بعد الْمَوْت فِي هَذِه الْآيَة، وَذَلِكَ لِأَن المنى الَّذِي يسْقط من الْإِنْسَان ميت، ثمَّ يخلق الله مِنْهُ شخصا حَيا، وَقد كَانُوا مقرين أَن الله خلقهمْ من النطف، وَكَانُوا منكرين للإحياء بعد الْمَوْت، فألزمهم أَنهم لما أقرُّوا بِخلق حَيّ من نُطْفَة ميتَة يلْزمهُم أَن يقرُّوا بِإِعَادَة الْحَيَاة فِي ميت. وَمعنى الْآيَة: كَمَا أقررتم بذلك فأقروا بِهَذَا.