﴿الْمجَالِس فافسحوا يفسح الله لكم وَإِذا قيل انشزوا فانشزوا يرفع الله الَّذين آمنُوا مِنْكُم وَالَّذين أُوتُوا الْعلم دَرَجَات وَالله بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِير (١١) يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا إِذا نَاجَيْتُم الرَّسُول فقدموا بَين يَدي نَجوَاكُمْ صَدَقَة ذَلِك خير لكم وأطهر فَإِن لم تَجدوا﴾
وَفِي الْآيَة قَول ثَالِث: أَن قَوْله: ﴿فانشزوا﴾ هُوَ إِذا فرغ النَّبِي فاخرجوا من عِنْده، وَلَا تلبثوا عِنْده فتثقلوا عَلَيْهِ، وَهُوَ فِي معنى قَوْله تَعَالَى: ﴿فَإِذا أطعمْتُم فَانْتَشرُوا وَلَا مستأنسين لحَدِيث﴾.
وَقَوله: ﴿يرفع الله الَّذين آمنُوا مِنْكُم وَالَّذين أُوتُوا الْعلم دَرَجَات﴾ أَي: بإيمَانهمْ وعلمهم. وَقيل: كَانَ النَّبِي يسْتَحبّ أَن يكون بِالْقربِ مِنْهُ أولُوا الْعلم وَالنَّهْي من أَصْحَابه، فَكَانَ غَيرهم يَأْتِي وَيقرب من النَّبِي، ثمَّ إِذا حضر الأكابر وَأولُوا الْعلم من أَصْحَابه كَانَ يَقُول: " يَا فلَان، قُم، وَيَا فلَان، قُم وَتَأَخر؛ ليقعد أولُوا الْعلم وَالنَّهْي بِالْقربِ مِنْهُ، فعلى هَذَا معنى قَوْله: ﴿يرفع الله الَّذين آمنُوا مِنْكُم وَالَّذين أُوتُوا الْعلم دَرَجَات﴾ إِشَارَة إِلَى مَا كَانَ يرفعهم النَّبِي ويقعدهم بِالْقربِ. يَعْنِي: أَنهم أَصَابُوا مَا أَصَابُوا من الرّفْعَة والرتبة بِالْإِيمَان وَالْعلم.
وَقَوله: ﴿وَالله بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِير﴾ أَي: عليم.
قَوْله تَعَالَى: ﴿يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا إِذا نَاجَيْتُم الرَّسُول فقدموا بَين يَدي نَجوَاكُمْ صَدَقَة﴾ سَبَب نزُول الْآيَة أَن النَّاس كَانُوا يستكثرون من السُّؤَال على النَّبِي، وَكَانَ الْوَاحِد مِنْهُم يَتَنَاجَى مَعَ رَسُول الله طَويلا، فَأَرَادَ الله أَن يُخَفف عَن نبيه، فَأنْزل هَذِه الْآيَة. وَعَن مُجَاهِد عَن عَليّ رَضِي الله عَنْهُمَا أَنه قَالَ: لم يعْمل بِهَذِهِ الْآيَة غَيْرِي، كَانَ عِنْدِي دِينَار فتصدقت بِهِ، وانتجيت مَعَ الرَّسُول. وَفِي رِوَايَة: أَنه صَارف الدِّينَار بِعشْرَة دَرَاهِم، فَكَانَ كلما أَرَادَ أَن يَتَنَاجَى مَعَ الرَّسُول عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام تصدق بدرهم.
وَذكر النقاش فِي تَفْسِيره: أَن الْمُنَافِقين قَالُوا: قد طَال نجوى مُحَمَّد مَعَ ابْن عَمه