﴿خير لكم إِن كُنْتُم تعلمُونَ (٩) فَإِذا قضيت الصَّلَاة فَانْتَشرُوا فِي الأَرْض وابتغوا من فضل الله واذْكُرُوا الله كثيرا لَعَلَّكُمْ تفلحون (١٠) وَإِذا رَأَوْا تِجَارَة أَو لهوا انْفَضُّوا﴾ أَلسنا نسعى. وَقَوله: ﴿إِلَى ذكر الله﴾ فِيهِ قَولَانِ: أَحدهمَا: أَنه الْخطْبَة، وَالْآخر: أَنه الصَّلَاة. وَهُوَ الْأَصَح.
وَقَوله تَعَالَى: ﴿وذروا البيع﴾ أَي: واتركوا البيع. وَيُقَال المُرَاد مِنْهُ: إِذا دخل وَقت الصَّلَاة وَإِن لم يُؤذن لَهَا بعد، وَيُقَال: إِنَّه بعد سَماع النداء. وَالْأول أحسن. وَمن قَالَ بِالثَّانِي، قَالَ: النداء هُوَ الآذان إِذا جلس الإِمَام على الْمِنْبَر وَهُوَ الَّذِي كَانَ فِي زمَان رَسُول الله وَأما الْآذِن الأول أحدثه عُثْمَان رَضِي الله عَنهُ حِين كثر النَّاس. وَالْمرَاد من قَوْله: ﴿وذروا البيع﴾ أَي: البيع وَالشِّرَاء وكل مَا يشغل عَن الْجُمُعَة. وَاخْتلف الْعلمَاء أَنه لَو بَاعَ هَل يجوز ذَلِك البيع؟ فَذهب أَكْثَرهم إِلَى أَن البيع جَائِز، وَالنَّهْي عَنهُ كَرَاهَة. وَذهب مَالك وَأحمد إِلَى أَن البيع لَا يجوز أصلا. وَحكى بَعضهم عَن مَالك أَنه رَجَعَ من التَّحْرِيم إِلَى الْكَرَاهَة، وَالْقَوْل الأول أولى؛ لِأَن الله تَعَالَى قَالَ: ﴿ذَلِكُم خير لكم إِن كُنْتُم تعلمُونَ﴾ جعل ترك البيع خيرا، وَهَذَا يُشِير إِلَى الْكَرَاهَة فِي الْفِعْل دون التَّحْرِيم، وَلِأَن النَّهْي عَن العقد للاشتغال عَن الْجُمُعَة لَا لعين العقد.
قَوْله تَعَالَى: ﴿فَإِذا قضيت الصَّلَاة﴾ أَي: فرغ مِنْهَا.
قَوْله تَعَالَى: ﴿فَانْتَشرُوا فِي الأَرْض وابتغوا من فضل الله﴾ هُوَ أَمر ندب لَا أَمر حتم وَإِيجَاب، مثل قَوْله تَعَالَى: ﴿وَإِذا حللتم فاصطادوا﴾ وَعَن ابْن محيريز قَالَ: يُعجبنِي أَن يكون لي حَاجَة بعد الْجُمُعَة فأنصرف إِلَيْهَا، وابتغى من فضل الله مِنْهَا. وَعَن عبد الله [بن] بسر: أَنه كَانَ يخرج من الْمَسْجِد إِذا صلى الْجُمُعَة، ثمَّ يعود وَيجْلس إِلَى أَن يُصَلِّي الْعَصْر. وَفِي بعض الْأَخْبَار عَن النَّبِي فِي معنى قَوْله


الصفحة التالية
Icon