﴿فصدوا عَن سَبِيل الله إِنَّهُم سَاءَ مَا كَانُوا يعْملُونَ (٢) ذَلِك بِأَنَّهُم آمنُوا ثمَّ كفرُوا فطبع على قُلُوبهم فهم لَا يفقهُونَ (٣) وَإِذا رَأَيْتهمْ تعجبك أجسامهم وَإِن يَقُولُوا﴾
وَقَوله: ﴿فصدوا عَن سَبِيل الله﴾ أَي: منعُوا النَّاس عَن سَبِيل الْإِيمَان. وَمعنى صدهم النَّاس عَن سَبِيل الله أَنهم كَانُوا يَقُولُونَ لضعفة الْمُسلمين: إِنَّا نشْهد عِنْد هَذَا الرجل ونظهر خلاف مَا نسر، فَلَو كَانَ نَبيا لعلم إسرارنا، ومنعنا من المخالطة مَعَ أَصْحَابه.
وَقَوله: ﴿إِنَّهُم سَاءَ مَا كَانُوا يعْملُونَ﴾ أَي: بئس الْعَمَل عَمَلهم. وَقُرِئَ فِي الشاذ: " اتَّخذُوا إِيمَانهم جنَّة " بِكَسْر الْألف، وَالْمَعْرُوف إِيمَانهم بِالْفَتْح جمع الْيَمين.
قَوْله تَعَالَى: ﴿ذَلِك بِأَنَّهُم آمنُوا ثمَّ كفرُوا﴾ أَي: آمنُوا بألسنتهم، وَكَفرُوا بقلوبهم.
وَقَوله: ﴿فطبع على قُلُوبهم﴾ أَي: ختم على قُلُوبهم فَلَا يدخلهَا الْإِيمَان وَقبُول الْحق.
وَقَوله: ﴿فهم لَا يفقهُونَ﴾ أَي: لَا يتدبرون، وَالْفِقْه هُوَ التدبر والتفهم. وَقيل: فهم لَا يفقهُونَ أَي: لَا يعْقلُونَ، كَأَنَّهُمْ لم يقبلُوا الدّين مَعَ ظُهُور الدَّلَائِل عَلَيْهِ بِمَنْزِلَة من لَا يعقل.
قَوْله تَعَالَى: ﴿وَإِذا رَأَيْتهمْ تعجبك أجسامهم﴾ فِي التَّفْسِير: أَن عبد الله بن أبي بن سلول كَانَ رجلا جسيما فصيحا صبيحا ذلق اللِّسَان. قَالَ الزّجاج: أخبر الله تَعَالَى بِصِحَّة أجسامهم وَحسن مناظرهم وفصاحة ألسنتهم. وَهُوَ فِي قَوْله: ﴿وَإِن يَقُولُوا تسمع لقَولهم﴾ أَي: للسان الَّذِي لَهُم، ثمَّ قَالَ فِي شَأْنهمْ: ﴿كَأَنَّهُمْ خشب مُسندَة﴾ أَي: هم مناظر بِلَا مخابر، وصور بِلَا مَعَاني، وَإِنَّمَا مثلهم بالخشب؛ لِأَن الْخشب لَا قلب لَهُ وَلَا عقل، وَلَا يعي خَبرا وَلَا يفهمهُ. وَيُقَال فِي الْعَادة: فلَان خشب أَي: لَيْسَ لَهُ عقل وَلَا فهم. وَقُرِئَ: " خشب " بِسُكُون الشين، وَكِلَاهُمَا بِمَعْنى وَاحِد، يُقَال: بدن وبدنة وثمر وَثَمَرَة، فالخشب والخشب جمع، والواحدة خَشَبَة، ومثاله مَا ذكرنَا.