﴿وأتمروا بَيْنكُم بِمَعْرُوف وَإِن تعاسرتم فسترضع لَهُ أُخْرَى (٦) لينفق ذُو سَعَة من سعته وَمن قدر عَلَيْهِ رزقه فلينفق مِمَّا آتَاهُ الله لَا يُكَلف الله نفسا إِلَّا مَا﴾ يؤتيها الْأَب أجرهَا.
وَقَوله: ﴿وأتمروا بَيْنكُم بِمَعْرُوف﴾ أَي: لينفق الْوَالِد والوالدة على مَا هُوَ الأنفع للصَّبِيّ، فَلَا تمْتَنع الوالدة من الْإِرْضَاع، وَلَا يمْتَنع الْأَب من إِعْطَاء الْأجر. قَالَ السدى: " وأنتمروا بَيْنكُم بِمَعْرُوف " أَي: تشاوروا بَيْنكُم بِالْمَعْرُوفِ. وَهُوَ قَول ضَعِيف. وَقَالَ الْمبرد: ليأمر بَعْضكُم بَعْضًا بِالْمَعْرُوفِ.
وَقَوله: ﴿وَإِن تعاسرتم﴾ أَي: تضايقتم وتنازعتم فِي الْأجر.
وَقَوله: ﴿فسترضع لَهُ أُخْرَى﴾ أَي: إِذا لم ترض الْأُم بِأَجْر الْمثل وَطلبت أَكثر مِنْهُ يسلم الْوَلَد إِلَى غَيرهَا لترضع بِأَجْر الْمثل.
وَقَوله: ﴿فسترضع لَهُ أُخْرَى﴾ خبر بِمَعْنى الْأَمر أَي: لترضع، مثل قَوْله تَعَالَى: ﴿والوالدات يرضعن أَوْلَادهنَّ﴾.
وَقَوله: ﴿لينفق ذُو سَعَة من سعته﴾ أَي: بِمِقْدَار سعته، وَهُوَ حث على التَّوَسُّع فِي النَّفَقَة لمن وسع الله عَلَيْهِ.
وَقَوله: ﴿وَمن قدر عَلَيْهِ رزقه﴾ أَي: ضيق عَلَيْهِ رزقه، وَلم يكن لَهُ إِلَّا الْقُوت وَمَا يُشبههُ وَهُوَ قَوْله: ﴿فلينفق مِمَّا آتَاهُ الله﴾ أَي: على قدر ذَلِك. وَعَن عمر رَضِي الله عَنهُ أَنه سمع أَن أَبَا عُبَيْدَة بن الْجراح يلبس الثَّوْب الخشن، وَيَأْكُل الطَّعَام (الجشب)، فَبعث إِلَيْهِ بِأَلف دِينَار من بَيت المَال، وَأمر الرَّسُول أَن يتعرف حَاله بعد ذَلِك، فتوسع وَأكل الطّيب من الطَّعَام، وَلبس اللين من الثِّيَاب، فَرجع الرَّسُول فَأخْبر عمر بذلك فَقَالَ: إِنَّه تَأَول قَوْله تَعَالَى: ﴿لينفق ذُو سَعَة من سعته وَمن قدر عَلَيْهِ رزقه فلينفق مِمَّا آتَاهُ الله﴾ ذكره الْقفال فِي تَفْسِيره.
وَقَوله: ﴿لَا يُكَلف الله نفسا إِلَّا مَا آتاها﴾


الصفحة التالية
Icon