﴿قد فرض الله لكم تَحِلَّة أَيْمَانكُم﴾ مَكْرُوه فَحرم الْعَسَل على نَفسه، وَقَالَ: لَا أَعُود إِلَى شربه أبدا ". حكى هَذَا القَوْل عبيد بن عُمَيْر عَن عَائِشَة. وَالْأول قَول عمر وَابْن مَسْعُود وَابْن عَبَّاس وَعَامة الْمُفَسّرين.
وَعَن ابْن عَبَّاس فِي رِوَايَة: أَن الْآيَة وَردت فِي الواهبة نَفسهَا للنَّبِي، وَهُوَ قَول شَاذ، وَمعنى الْآيَة: هُوَ المعاتبة مَعَ النَّبِي فِي تَحْرِيم مَا أحل الله لَهُ لطلب رضَا أَزوَاجه.
وَقَوله: ﴿وَالله غَفُور رَحِيم﴾ قد بَينا.
قَوْله تَعَالَى: ﴿قد فرض الله لكم تَحِلَّة أَيْمَانكُم﴾ أَي: كَفَّارَة أَيْمَانكُم، وَالْفَرْض هَا هُنَا بِمَعْنى الْبَيَان وَالتَّسْمِيَة وَيُقَال: بِمَعْنى التَّقْدِير؛ لِأَن الْكَفَّارَات مقدرَة مَعْدُودَة، فَإِن قيل: أَيْن الْيَمين فِي الْآيَة، وَالله تَعَالَى قَالَ: ﴿قد فرض الله لكم تَحِلَّة أَيْمَانكُم﴾ ؟ وَالْجَوَاب من وَجْهَيْن: أَحدهمَا: أَن النَّبِي كَانَ حرم وَحلف فَعَاتَبَهُ على التَّحْرِيم، وَأمره بالتفكير فِي الْيَمين، وَهَذَا قَول مَنْقُول عَن جمَاعَة من التَّابِعين مِنْهُم مَسْرُوق وَالشعْبِيّ وَغَيرهمَا.
وَالْوَجْه الثَّانِي: أَنه كَانَ حرم وَلم يحلف إِلَّا أَن تَحْرِيم الْحَلَال يُوجب الْكَفَّارَة، وَهَذَا قَول ابْن عَبَّاس وَغَيره.
وَاخْتلف الْعلمَاء فِي تَحْرِيم الْحَلَال، فَذهب ابْن مَسْعُود أَنه إِذا حرم حَلَالا أَي حَلَال كَانَ، فَعَلَيهِ الْكَفَّارَة، وَهَذَا قَول جمَاعَة من التَّابِعين، وَهُوَ قَول سُفْيَان الثَّوْريّ والكوفيين. وَأما مَذْهَب مَالك وَالشَّافِعِيّ أَن تَحْرِيم الْحَلَال فِي النِّسَاء يُوجب الْكَفَّارَة، وَفِي غير النِّسَاء لَا يُوجب شَيْئا. وَذهب جمَاعَة إِلَى أَن تَحْرِيم الْحَلَال لَيْسَ بِشَيْء، قَالَ مَسْرُوق: لَا أُبَالِي أَحرمت امْرَأَتي أَو قَصْعَة من ثريد يَعْنِي: أَنه لَيْسَ بِشَيْء. وَعَن بَعضهم: أَنه إِيلَاء. وَعَن بَعضهم: أَنه ظِهَار. وَعَن بَعضهم: أَنه يلْزمه الطَّلَاق الثَّلَاث بِتَحْرِيم الْحَلَال فِي النِّسَاء. وَعَن بَعضهم: أَنه على نِيَّته. وتحلة الْيَمين كَفَّارَة الْيَمين، وسماها تَحِلَّة؛ لِأَنَّهُ يتَحَلَّل بهَا عَن الْيَمين أَي: يخرج. وَعَن بَعضهم: أَن تَحِلَّة الْيَمين