﴿بَلْدَة مَيتا كَذَلِك تخرجُونَ (١١) وَالَّذِي خلق الْأزْوَاج كلهَا وَجعل لكم من الْفلك والأنعام مَا تَرْكَبُونَ (١٢) لتستووا على ظُهُوره ثمَّ تَذكرُوا نعْمَة ربكُم إِذا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقولُوا سُبْحَانَ الَّذِي سخر لنا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقرنين (١٣) وَإِنَّا إِلَى رَبنَا لمنقلبون﴾ أَحْوَال الْإِنْسَان من الْمَرَض وَالصِّحَّة، والفقر والغنى، وَالْخَيْر وَالشَّر، وَالنَّوْم واليقظة، وَمَا أشبه ذَلِك.
وَقَوله: ﴿وَجعل لكم من الْفلك والأنعام مَا تَرْكَبُونَ﴾ الْفلك: هِيَ السفن، وَاخْتلف القَوْل فِي الْأَنْعَام، فَذهب مقَاتل إِلَى أَنَّهَا الْإِبِل وَالْبَقر، وَالْقَوْل الثَّانِي: أَنَّهَا الْإِبِل خَاصَّة، وَهُوَ الأولى، قَالَ أَبُو معَاذ النَّحْوِيّ: وَمَتى ركبت الْبَقَرَة؟ ! وَفِي بعض الْأَخْبَار: أَن رجلا ركب بقرة فتكلمت الْبَقَرَة، وَقَالَت: مَا خلقنَا لهَذَا، وَإِنَّمَا خلقنَا للحرث.
وَقَوله: ﴿لتستوا على ظُهُوره﴾ فَإِن قيل: كَيفَ لم يقل: على ظُهُورهَا، وَقد تقدم لفظ الْجمع؟ وَالْجَوَاب: أَن قَوْله: ﴿على ظُهُوره﴾ ينْصَرف إِلَى كلمة " مَا "، وَمَعْنَاهُ: لتستووا على ظُهُور مَا تركبونه.
وَقَوله: ﴿ثمَّ تَذكرُوا نعْمَة ربكُم إِذا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقولُوا سُبْحَانَ الَّذِي سخر لنا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقرنين﴾ أَي: مطيقين، أَي: مَا كُنَّا نطيق تذليله وتسخيره لَوْلَا أَن الله تَعَالَى ذلله وسخره لنا. قَالَ عَمْرو بن معد يكرب:

(وَقد علم الْقَبَائِل مَا عقيل لنا فِي النائبات بمقرنينا)
وَعَن بَعضهم أَنه ركب بعيره وَقَالَ: سُبْحَانَ الَّذِي سخر لنا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقرنين، فَسَمعهُ الْحُسَيْن بن عَليّ رَضِي الله عَنْهُمَا فَقَالَ: أهكذا أمرت؟ إِنَّمَا أمرت أَن تذكر نعْمَة الله تَعَالَى ثمَّ تَقول هَذَا، فَإِذا ركبت فَقل: الْحَمد لله الَّذِي هدَانَا لِلْإِسْلَامِ وَمن علينا بِمُحَمد، وَالْحَمْد لله الَّذِي جعلنَا من خير أمة أخرجت للنَّاس، ثمَّ قَالَ: " سُبْحَانَ الَّذِي سخر لنا هَذَا ".
وَقد ثَبت بِرِوَايَة ابْن عمر أَن النَّبِي كَانَ إِذا اسْتَوَى على بعيره مُتَوَجها فِي سفر،


الصفحة التالية
Icon