﴿ن والقلم وَمَا يسطرون (١) مَا أَنْت بِنِعْمَة رَبك بمجنون (٢) وَإِن لَك لأجرا﴾.
قَوْله ﴿والقلم﴾ فِي التَّفْسِير: أَنه خلق من نور، وَطوله مَا بَين السَّمَاء وَالْأَرْض.
وَفِي خبر عبَادَة بن الصَّامِت أَن النَّبِي قَالَ: " أول مَا خلق الله الْقَلَم وَقَالَ لَهُ: اكْتُبْ.
فَقَالَ: وَمَا أكتب؟ قَالَ: مَا هُوَ كَائِن إِلَى يَوْم الْقِيَامَة ".
وَاخْتلف القَوْل فِي هَذِه الدواة والقلم، الْأَكْثَرُونَ أَنه الدواة والقلم الَّذِي كتب بِهِ الذّكر فِي السَّمَاء.
وَالْقَوْل الثَّانِي: أَنه الدواة والقلم الَّذِي يكْتب بِهِ بَنو آدم.
وَمعنى الْآيَة هُوَ الْقسم، وَللَّه أَن يقسم بِمَا شَاءَ من خلقه.
وَقَالَ قَتَادَة: لَوْلَا الْقَلَم مَا قَامَ لله دين، وَلَا كَانَ لِلْخلقِ عَيْش.
وَقَوله: ﴿وَمَا يسطرون﴾ أَي: مَا يَكْتُبُونَ من أَعمال بني آدم يَعْنِي: الْمَلَائِكَة.
وَحكى النقاش عَن ابْن عَبَّاس: أَن الْكفَّار لَا يكْتب لَهُم حَسَنَات وَلَا سيئات، وَإِنَّمَا يكْتب ذَلِك للْمُؤْمِنين وَمَا يَفْعَلُونَ من الْحَسَنَات فِي الدُّنْيَا ويكافئون عَلَيْهَا، وَمَا يَفْعَلُونَ من السَّيِّئَات، فالشرك أعظم من ذَلِك كُله.
قَوْله تَعَالَى: ﴿مَا أَنْت بِنِعْمَة رَبك بمجنون﴾ هَذَا مَوضِع الْقسم، وَهُوَ جَوَاب لقَولهم على مَا حكى الله تَعَالَى عَنْهُم: ﴿وَقَالُوا يَا أَيهَا الَّذِي نزل عَلَيْهِ الذّكر إِنَّك لمَجْنُون﴾.
وَقَوله: ﴿بِنِعْمَة رَبك﴾ أَي: برحمة رَبك.
وَيُقَال: بإنعامه عَلَيْك، كَأَنَّهُ نفى عَنهُ الْجُنُون بِمَا أنعم الله عَلَيْهِ، كَمَا يَقُول الْقَائِل لغيره: أَنْت عَاقل أَو غَنِي بِنِعْمَة الله عَلَيْك.
وَقَوله: ﴿وَإِن لَك لأجرا غير ممنون﴾ أَي: غير مُنْقَطع.
وَيُقَال: غير مَحْسُوب.
وَيُقَال: غير ممتن بِهِ عَلَيْك.