( ﴿١٦) وسيجنبها الأتقى (١٧) الَّذِي يُؤْتِي مَاله يتزكى (١٨) ﴾.
الْمُؤمن وَإِن ارْتكب الْكَبَائِر لَا يدْخل النَّار، هَذَا للمرجئة، وَأما الْخَوَارِج قَالُوا: قد وافقتمونا أَن صَاحب الْكَبَائِر يدْخل النَّار، فَدلَّ أَنه كفر بارتكاب الْكَبِيرَة، والتحق بِمن كذب وَتَوَلَّى حَيْثُ قَالَ الله تَعَالَى: ﴿لَا يصلاها إِلَّا الأشقى الَّذِي كذب وَتَوَلَّى﴾.
وَالْجَوَاب من وُجُوه: أَحدهَا: أَن مَعْنَاهُ: لَا يصلاها إِلَّا الأشقى الَّذِي كذب وَتَوَلَّى، فالأشقى هم أَصْحَاب الْكَبَائِر، وَالَّذِي كذب وَتَوَلَّى هم الْكفَّار.
وَالْعرب تَقول: أكلت خبْزًا لَحْمًا تَمرا.
أَي: وَلَحْمًا وَتَمْرًا، وحذفوا الْوَاو، وَكَذَلِكَ هَاهُنَا، وَأنْشد أَبُو زيد الْأنْصَارِيّ:

(كَيفَ أَصبَحت كَيفَ أمسيت فَمَا يثبت الود فِي فؤاد الْكَرِيم)
أَي: وَكَيف أمسيت؟
وَالْوَجْه الثَّانِي: أَن للنار دركات، وَالْمرَاد من الْآيَة دركة بِعَينهَا، لَا يدخلهَا إِلَّا الْكفَّار، قَالَ الله تَعَالَى: ﴿إِن الْمُنَافِقين فِي الدَّرك الْأَسْفَل من النَّار﴾ دلّت الْآيَة أَنه مَخْصُوص لِلْمُنَافِقين، وَهَذَا جَوَاب مَعْرُوف.
وَالْوَجْه الثَّالِث: أَن الْمَعْنى: لَا يصلاها، لَا يدخلهَا خَالِدا فِيهَا إِلَّا الأشقى الَّذِي كذب وَتَوَلَّى، وَصَاحب الْكَبِيرَة وَإِن دَخلهَا لَا يخلد فِيهَا.
وَقَوله: ﴿وسيجنبها الأتقى الَّذِي يُؤْتِي مَاله يتزكى﴾ أَي: يُعْطي مَاله ليصير زاكيا طَاهِرا، وَهُوَ وَارِد فِي أبي بكر الصّديق على قَول أَكثر الْمُفَسّرين، وَيُقَال: إِن الْآيَة الأولى نزلت فِي أُميَّة بن خلف، وَأما إيتاؤه المَال فَهُوَ أَنه أعتق سَبْعَة نفر كَانُوا يُعَذبُونَ فِي الله، مِنْهُم بِلَال الْخَيْر، وعامر بن فهَيْرَة، والنهدية، وزنيرة، وَغَيرهم.
وروى أَنه لما اشْترى الزنيرة وأعتقها - وَكَانَت قد أسلمت - عميت عَن قريب، فَقَالَ الْمُشْركُونَ: أعماها اللات والعزى، فَقَالَت: أَنا أكفر بِاللات والعزى، فَرد الله عَلَيْهَا بصرها.
وَمن الْمَعْرُوف أَن النَّبِي مر على بِلَال، وَهُوَ يعذب فِي رَمْضَاءُ مَكَّة، وَهُوَ يَقُول: أحد أحد، فَقَالَ النَّبِي: " سينجيك أحد، ثمَّ إِنَّه أَتَى أَبَا بكر وَقَالَ: رَأَيْت بِلَالًا


الصفحة التالية
Icon