﴿وللآخرة خير لَك من الأولى (٤) ولسوف يعطيك رَبك فترضى (٥) ألم يجدك يَتِيما فآوى (٦) ووجدك ضَالًّا فهدى (٧) ﴾.
وَقَوله: ﴿وللآخرة خير لَك من الأولى﴾ يَعْنِي: ثَوَاب الله خير لَك من نعيم الدُّنْيَا، وَقد روى أَن عمر - رَضِي الله عَنهُ - دخل على النَّبِي فَرَآهُ مضجعا على حَصِير، قد أثر الْحَصِير فِي جنبه، فَبكى عمر - رَضِي الله عَنهُ - فَقَالَ رَسُول الله: " وَمَا يبكيك يَا عمر؟ فَقَالَ: ذكرت كسْرَى وَقَيْصَر وَمَا هما فِيهِ من النَّعيم، وَذكرت حالك وَأَنت رَسُول الله.
فَقَالَ لَهُ النَّبِي: أما ترْضى أَن تكون لَهُم الدُّنْيَا ".
وَقَوله: ﴿ولسوف يعطيك رَبك فترضى﴾ أَي: من الثَّوَاب والكرامة والمنزلة حَتَّى [ترْضى]، وَفِي بعض التفاسير: هُوَ ألف قصر من اللُّؤْلُؤ وترابها الْمسك، وَالْقَوْل الثَّالِث: أَنه الشَّفَاعَة لأمته، وَعَن مُحَمَّد بن عَليّ الباقر قَالَ: إِنَّكُم تَقولُونَ: إِن أَرْجَى آيَة فِي كتاب الله تَعَالَى قَوْله: ﴿قل يَا عبَادي الَّذين أَسْرفُوا على أنفسهم لَا تقنطوا من رَحْمَة الله﴾ الْآيَة، وَنحن نقُول: أَرْجَى آيَة فِي كتاب الله تَعَالَى هُوَ قَوْله: ﴿ولسوف يعطيك رَبك فترضى﴾ يَعْنِي: أَنه يشفعه فِي أمته حَتَّى يرضى.
قَوْله تَعَالَى: ﴿ألم يجدك يَتِيما فآوى﴾ سَمَّاهُ يَتِيما؛ لِأَن أَبَاهُ توفّي وَهُوَ حمل، وَقيل: بعد وِلَادَته بشهرين، وَتوفيت أمه وَهُوَ ابْن سِتّ سِنِين، وكفله جده عبد الْمطلب، ثمَّ مَاتَ وَهُوَ ابْن ثَمَان سِنِين، وكفله عَمه أَبُو طَالب، وَمعنى قَوْله: ﴿فأوى﴾ أَي: جعل لَك مأوى، وَهُوَ أَبُو طَالب، وَالْمعْنَى: يأوي إِلَيْهِ، وَتُوفِّي أَبُو طَالب قبل الْهِجْرَة بِثَلَاث سِنِين.
وَقَوله: ﴿ووجدك ضَالًّا فهدى﴾ أَي: عَن الشَّرَائِع وَالْإِسْلَام فهداك إِلَيْهَا، وَيُقَال: عَن النُّبُوَّة، وَقيل: ووجدك ضَالًّا أَي: غافلا عَمَّا يُرَاد بك فهداك إِلَيْهِ، وَهُوَ أحسن