﴿إِلَّا الَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات فَلهم أجر غير ممنون (٦) فَمَا يكذبك بعد بِالدّينِ (٧) أَلَيْسَ الله بِأَحْكَم الْحَاكِمين (٨) ﴾ جهل.
وَقيل: إِنَّه الْوَلِيد بن الْمُغيرَة.
وَقيل غَيرهمَا.
وَقَالَ إِبْرَاهِيم وَالضَّحَّاك وَجَمَاعَة: ثمَّ رددناه أَسْفَل سافلين: هُوَ أرذل الْعُمر، والسافلون هم الضُّعَفَاء والمرضى والشيوخ العجزة.
وَقَوله: ﴿إِلَّا الَّذين آمنُوا﴾ الِاسْتِثْنَاء مُشكل فِي هَذِه السُّورَة، فعلى قَول الْحسن وَمُجاهد يكون الِاسْتِثْنَاء ظَاهرا وَالْمعْنَى: رد النَّاس إِلَى النَّار إِلَّا من آمن وَعمل صَالحا فَإِنَّهُ لَا يرد إِلَى النَّار، وَمعنى الْإِنْسَان: النَّاس.
وَأما على قَول إِبْرَاهِيم وَالضَّحَّاك فالاستثناء مُشكل على هَذَا القَوْل، قَالَه النّحاس.
وَالْمعْنَى على هَذَا إِلَّا الَّذين آمنُوا فَلَا يردون إِلَى أرذل الْعُمر، وَمَعْنَاهُ: أَنه يكْتب لَهُم أَعْمَالهم الصَّالِحَة بعد الْهَرم على مَا كَانُوا يعملونها فِي حَالَة الشَّبَاب وَإِن عجزوا عَنْهَا، فكأنهم لم يردوا إِلَى أرذل الْعُمر، وَقد حكى معنى هَذَا عَن إِبْرَاهِيم، وروى ذَلِك مَرْفُوعا فِي بعض الْأَخْبَار إِلَى الرَّسُول.
وَقَوله: ﴿فَلهم أجر غير ممنون﴾ فِيهِ قَولَانِ: أَحدهمَا: لَا يمتن بِهِ عَلَيْهِم أحد - سوى الله - منَّة تكدر النِّعْمَة عَلَيْهِم.
وَالْقَوْل الْمَعْرُوف: غير مَقْطُوع وَهُوَ مؤيد لما ذَكرْنَاهُ من التَّأْوِيل.
قَوْله تَعَالَى: ﴿فَمَا يكذبك بعد بِالدّينِ﴾ الْمَعْنى: فَمَا يكذبك أَيهَا الشاك بِيَوْم الْحساب بعد مَا شاهدت من قدرَة الله تَعَالَى مَا شاهدت، هَذَا هُوَ القَوْل الْمَعْرُوف.
وَفِي الْآيَة قَول آخر: أَن مَعْنَاهُ: فَمن يكذبك بعد بِالدّينِ على خطاب النَّبِي أَي: من الَّذِي يكذبك بِيَوْم الْحساب بعد أَن ظهر من الْبَرَاهِين والآيات مَا ظهر، ذكره أَبُو معَاذ النَّحْوِيّ، القَوْل الأول أولى؛ لِأَن مَا بِمَعْنى من، يبعد فِي اللُّغَة.
وَقَوله: ﴿أَلَيْسَ الله بِأَحْكَم الْحَاكِمين﴾ هُوَ اسْتِفْهَام بِمَعْنى التَّحْقِيق وَهُوَ مثل قَول جرير:

(ألستم خير من ركب المطايا وأندى الْعَالمين بطُون رَاح)
أَي: أَنْتُم كَذَلِك.
وَقد ورد عَن جمَاعَة من الصَّحَابَة أَنهم كَانُوا إِذا ختموا السُّورَة قَالُوا: اللَّهُمَّ بلَى، وَفِي رِوَايَة: بلَى، وَأَنا على ذَلِك من الشَّاهِدين؛ مِنْهُم أَبُو هُرَيْرَة وَابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا.


الصفحة التالية
Icon