﴿وَالله جعل لكم الأَرْض بساطا (١٩) لتسلكوا مِنْهَا سبلا فجاجا (٢٠) قَالَ نوح رب إِنَّهُم عصوني وَاتبعُوا من لم يزده مَاله وَولده إِلَّا خسارا (٢١) ومكروا مكرا كبارًا (٢٢) وَقَالُوا لَا تذرن آلِهَتكُم لَا تذرن ودا وَلَا سواعا وَلَا يَغُوث ويعوق﴾
وَقَوله: ﴿لتسلكوا مِنْهَا سبلا فجاجا﴾ أَي: طرقا وَاسِعَة.
والسبيل قد يذكر وَيُؤَنث.
قَالَ الشَّاعِر:

(تمنى رجال أَن أَمُوت وَإِن أمت فَتلك سَبِيل لست فِيهَا بأوحد)
أَي: بِوَاحِد.
وَقَوله: ﴿قَالَ نوح رب إِنَّهُم عصوني وَاتبعُوا من لم يزده مَاله وَولده إِلَّا خسارا﴾ يَعْنِي: أَن الضُّعَفَاء اتبعُوا الْأَشْرَاف والأكابر والرءوس من الْكفَّار الَّذين لم تزدهم أَمْوَالهم وَأَوْلَادهمْ إِلَّا خسارا.
وَقَوله: ﴿ومكروا مكرا كبارًا﴾ أَي: كَبِيرا، وكبار فِي اللُّغَة أَشد من الْكَبِير.
وَقَوله: ﴿وَقَالُوا لَا تذرن آلِهَتكُم﴾ أَي: لَا تذروا آلِهَتكُم، ﴿وَلَا تذرن﴾ أَي: وَلَا تذروا ﴿ودا وَلَا سواعا وَلَا يَغُوث ويعوق ونسرا﴾ هَذِه الْأَسْمَاء أَسمَاء أصنامهم الَّتِي كَانُوا يعبدونها.
وَفِي التَّفْسِير: أَن ودا كَانَت لكَلْب، والسواع كَانَت لهذيل، ويغوث كَانَت لبني غطيف بن دارم، ويعوق كَانَت لهمدان، ونسرا كَانَت لحمير، وَقد قيل على خلاف هَذَا.
وَكَانَت بَقِيَّة هَذِه الْأَصْنَام لَهُم من زمَان نوح قد غرقت، فاستخرجها لَهُم إِبْلِيس حَتَّى عبدوها.
وَعَن أبي عُثْمَان النَّهْدِيّ قَالَ: كَانَت يَغُوث من رصاص رَأَيْته، وَكَانُوا يحملونه على جمل أجرد إِذا سافروا وَلَا يهيجون الْجمل ويجعلونه قدامهم، فَإِذا برك فِي مَوضِع نزلُوا، وَقَالُوا: رضى ربكُم بالمنزل.
وَعَن مُحَمَّد بن كَعْب الْقرظِيّ قَالَ: هَذِه الْأَسْمَاء أَسمَاء قوم صالحين قبل نوح، فَلَمَّا مَاتُوا زين الشَّيْطَان لأبنائهم ليتخذوا أشخاصا على صورهم، فَيكون نظرهم إِلَيْهَا حثا لَهُم على الْعِبَادَة، ثمَّ إِنَّهُم عبدوها من بعد لما تطاول لَهُم الزَّمَان.


الصفحة التالية
Icon