﴿وَأما القاسطون فَكَانُوا لِجَهَنَّم حطبا (١٥) وَأَن لَو استقاموا على الطَّرِيقَة لأسقيناهم مَاء غدقا (١٦) لنفتنهم فِيهِ وَمن يعرض عَن ذكر ربه يسلكه عذَابا﴾.
أَي: جاروا.
وَقَوله: ﴿فَمن أسلم فَأُولَئِك تحروا رشدا﴾ أَي: طلبُوا الرشد (وتوخوا) لَهُ.
والمتحري والمتوخي بِمَعْنى وَاحِد.
وَقَوله: ﴿وَأما القاسطون فَكَانُوا لِجَهَنَّم حطبا﴾ أَي: الْكَافِرُونَ، وَهُوَ فِي معنى قَوْله تَعَالَى: ﴿وقودها النَّاس وَالْحِجَارَة﴾.
قَوْله تَعَالَى: ﴿وَأَن لَو استقاموا على الطَّرِيقَة﴾ فِي الطَّرِيقَة قَولَانِ: أَحدهمَا: أَنَّهَا الْإِيمَان، وَهَذَا قَول مُجَاهِد وَقَتَادَة وَعِكْرِمَة وَجَمَاعَة، وَهُوَ فِي معنى قَوْله تَعَالَى: ﴿وَلَو أَن أهل الْقرى آمنُوا وَاتَّقوا لفتحتنا عَلَيْهِم بَرَكَات من السَّمَاء وَالْأَرْض وَلَكِن كذبُوا﴾.
وَالْقَوْل الثَّانِي: أَن الطَّرِيقَة هَاهُنَا طَريقَة الْكفْر والضلالة، وَهَذَا قَول أبي مجلز لَاحق بن حميد من التَّابِعين، وَهُوَ قَول الْفراء وَجَمَاعَة، وَهُوَ فِي معنى قَوْله تَعَالَى ﴿وَلَوْلَا أَن يكون النَّاس أمة وَاحِدَة لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفا من فضَّة﴾ الْآيَة.
فَجعل تماديهم فِي الْكفْر سَببا لتوسيع النعم عَلَيْهِم، وَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى: ﴿فَلَمَّا نسوا مَا ذكرُوا بِهِ فتحنا عَلَيْهِم أَبْوَاب كل شَيْء﴾ الْآيَة، وَمَعْنَاهُ: أَبْوَاب كل شَيْء من الْخيرَات وَالنعَم.
قَالُوا: وَالْقَوْل الأول أولى؛ لِأَنَّهُ عرف الطَّرِيقَة بِالْألف وَاللَّام، فَيَنْصَرِف إِلَى الطَّرِيقَة الْمَعْرُوفَة الْمَعْهُودَة شرعا وَهِي الْإِيمَان.
وَقَوله: ﴿لأسقيناهم مَاء غدقا﴾ أَي: كثيرا.
تَقول الْعَرَب: فرس غيداق إِذا كَانَ كثير الجري وَاسِعَة.
وَمَعْنَاهُ: أكثرنا لَهُم المَال وَالنعْمَة؛ لِأَن كَثْرَة المَاء سَبَب لِكَثْرَة المَال.
وَقَوله: ﴿لنفتنهم فِيهِ﴾ أَي: لنبتليهم فِيهِ، ونختبرهم فِيهِ.


الصفحة التالية
Icon