﴿إِنَّه فكر وَقدر (١٨) فَقتل كَيفَ قدر (١٩) ثمَّ قتل كَيفَ قدر (٢٠) ثمَّ نظر (٢١) ثمَّ عبس وَبسر (٢٢) ﴾.
قَالَ الْكَلْبِيّ: يجر من قدامه بالسلاسل وَيضْرب من خَلفه بالمقامع فَإِذا صعد عَلَيْهَا هوى هَكَذَا أبدا.
وَيُقَال الصعُود: الْعقبَة الشاقة.
وَهَذَا القَوْل قريب مِمَّا ذكرنَا.
قَوْله تَعَالَى: ﴿إِنَّه فكر﴾ أَي: تدبر.
وَقَوله: ﴿وَقدر﴾ هُوَ بِمَعْنى التفكر أَيْضا.
وَقَوله: ﴿فَقتل كَيفَ قدر﴾ أَي: لعن كَيفَ قدر.
قَالَ صَاحب النّظم مَعْنَاهُ: لعن على أَي حَال قدر مَا قدر.
وَقَوله: ﴿ثمَّ قتل كَيفَ قدر﴾ على وَجه التَّأْكِيد، وَمَعْنَاهُ مَا بَينا.
وَقَوله: ﴿ثمَّ نظر﴾ أَي: بِرَأْيهِ وعقله فِي أَمر النَّبِي.
وروى إِسْحَاق [بن] إِبْرَاهِيم الْحَنْظَلِي فِي كِتَابه بِإِسْنَادِهِ عَن مُجَاهِد أَن الْمُشْركين اجْتَمعُوا عِنْد الْوَلِيد بن الْمُغيرَة وَقَالُوا: هَذَا الْمَوْسِم يَأْتِي وَيقدم فِيهِ النَّاس، ويسألوننا عَن هَذَا الرجل، فَإِن سألونا نقُول: إِنَّه شَاعِر.
فَقَالَ الْوَلِيد: إِنَّهُم يسمعُونَ كَلَامه ويعلمون أَنه لَيْسَ بشاعر.
فَقَالُوا: نقُول: إِنَّه مَجْنُون: فَقَالَ: إِنَّهُم يسمعُونَ حَدِيثه فيعلمون أَنه عَاقل.
فَقَالُوا: نقُول إِنَّه كَاهِن.
فَقَالَ: إِنَّهُم قد رَأَوْا الكهنة فيعلمون أَنه لَيْسَ بكاهن.
قَالُوا: فَمَاذَا نقُول؟ فَحِينَئِذٍ فكر وَقدر وَنظر.
وَقَوله تَعَالَى: ﴿ثمَّ عبس وَبسر﴾ أَي: قطب وَجهه.
يُقَال للقاطب: وَجهه باسر.
وَقيل: العبوس بعد المحاورة، والبسور قبل المحاورة.
وَالأَصَح أَنَّهُمَا بِمَعْنى وَاحِد، وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِك؛ لِأَن الْإِنْسَان إِذا أهمه الْأَمر، وَجعل يتفكر فِيهِ، وَيُؤْتى بعبس وَجهه كالمتكاره بِشَيْء.
ثمَّ إِن الْوَلِيد لما فعل جَمِيع مَا فعل للْقَوْم [قَالَ] : قُولُوا: إِنَّه سَاحر؛ فَإِن السَّاحر يبغض بَين المتحابين، ويحبب بَين


الصفحة التالية
Icon