تتألف سورة الحجرات من ثمانية عشرة آية وهي سورة مدنية(١)، وقد حكى الإمام القرطبي الإجماع على ذلك(٢)، واسمها "الحجرات" بضمتين جمع حجرة – بسكون الجيم – والمراد بها بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم(٣)، لمكان نداء الرجل من وفد بني تميم للنبي ﷺ من وراء الحجرات كما ورد من عدة طرق كما سيأتي إن شاء الله تعالى.
وإن المتأمل في مضمون هذه السورة يجدها تتناول الكثير من الضوابط والآداب التي تحكم سير المجتمع الإسلامي بما يضمن له الانضباط والانقياد لإمرة هذا الدين العظيم، ويجدها ترتقي بالمجتمع الإسلامي وأفراده إلى آفاق خُلقية سامية، ولقد تأملت السورة فاستخلصت بعض الخصائص المميزة التي ساهمت في تحقيق مهمتها من حيث توجيه وتأصيل المنظومة الأخلاقية للمجتمع الإسلامي حتى صح أن توصف هذه السورة بأنها سورة الأخلاق في القرآن الكريم. وفيما يلي بيان بعض هذه الخصائص :
١- تناولت هذه السورة على قِصرها كل محاور العلاقات الاجتماعية فبيَّنت ضوابط علاقة المجتمع المسلم بمصدر التشريع، وعلاقة المجتمع المسلم بغيره من المجتمعات، وعلاقته ببعضه البعض أفراداً وجماعات وبيَّنت منظومة المجتمع الأخلاقية التي تحلي جِيده، كما بيَّنت علاقته بالإنسانية جمعاء، فكانت آية في الإيجاز والإعجاز بحيث قدمت ما عجزت الحضارات الإنسانية جمعاء من تقديمه أو تقديم جزء منه على مدى التاريخ، وها نحن اليوم في القرن الحادي والعشرين والإنسانية لا تزال تتخبط وتتناقض في ضبط علاقاتها وتكييف أخلاقها، ولكن هيهات أن يأتي المخلوق بمثل ما أتي به الخالق عز وجل.
(٢) الجامع لأحكام القرآن الكريم – القرطبي – ٢٥٥/١٦
(٣) فتح الباري – ابن حجر العسقلاني – ٥٦٤/٩