٢- يلاحظ أن معظم آيات هذه السورة الكريمة قد نزلت في مناسبات محددة، ومعلوم أن آيات القرآن تنقسم إلى ما نزل لمحض هداية البشر وما نزل للحكم والفصل على واقعة معينة، ولهذا الأمر أهميته القصوى بسبب طبيعة الأمور التي تعالجها هذه السورة، فالأخلاق النظرية المتولدة عن أهواء واضعيها تبقى نظريات مدفونة في كتابات أصحابها ومُنظِّريها لا تلبث أن تئدها الفطرة السليمة فورما تصطدم بها في معترك الواقع، أما الأخلاق السليمة فهي القادرة على التعامل المباشر مع الواقع الاجتماعي بكل ما فيه من انحراف وخطأ بحيث لا تعجز عن النزول إلى الميدان الاجتماعي مهما كان، فتتعامل معه وتترجم التوجيهات الأخلاقية إلى سلوكيات واقعية عملية تصحح الزلل وتقوم الانحراف، وهذا ما تم فعلاً من خلال تنزلات آي السورة على جملة من الوقائع والأحداث الحقيقية كما سيتبين معنا إن شاء الله.
٣- التناسب الدقيق ما بين الآيات وخواتيمها – وهو متحقق في القرآن الكريم كله – ولكنه شديد الوضوح والأهمية في هذه السورة بسبب طبيعة الأمر الذي تتناوله. ففي مقام التنفير من أبشع السلوكيات وفي أكثر مشاهد السورة نفوراً للطبع السليم يأتي التذكير بالتقوى مشفوعاً بالتذكير بأن الله تواب رحيم، وفي مقام رد جفاة الأعراب عن اقتحامهم مجال العلم والعقيدة والسلوك على غير هدى يفتح باب التوبة بالتذكير بأن الله غفور رحيم، وهكذا.
والحقيقة أن أي وصف لخصائص هذه السورة سيأتي قاصراً عن الوفاء بحق الموصوف، ولا مندوحة للمرء من معاينة هذه السورة تلاوةً وتدبراً وتطبيقاً حتى يستطيع التحليق في سمائها والتمثل بتوجيهاتها، نعم إنها سورة الأخلاق في القرآن الكريم.
المبحث الثاني: آداب المجتمع الإسلامي :