وعلاقة كل ذلك بمسألة الأخلاق تجريد أفراد المجتمع من أي حجة أو ذريعة وهمية للاستعلاء على إخوانهم المسلمين، فيعود كل فرد إلى ملاحظة عيوبه وأخطائه وقصوره فينشغل بذلك عن تتبع عيوب وأخطاء الآخرين وهتك سترهم بألفاظ السخرية والنميمة والغيبة واللمز ونحوه، وهذا البيان الشمولي في السورة ثمرة من ثمار الإعجاز القرآني الفريد.
الخاتمة:
بهذا أكون قد انتهيت من استعراض موجز لمنظومة الأخلاق والآداب الاجتماعية في هذه السورة العظيمة التي يصح أن يقال إنها سورة الأخلاق، ولقد تبين معنا استيفاء محاور التعامل الأخلاقي وآدابه على شتى المحاور التي تؤلف أركان التفاعل في المجتمع المسلم ؛ المشرع والقيادة وأفراد المجتمع. واستطردنا بعض الشيء في تفصيل هذه الآداب ودورها في ضبط مسيرة المجتمع المسلم بما يرضي الله عز وجل ثم تطرقنا في مبحث مستقل إلى بعض الأدوات التي عززت السورة من خلالها الالتزام بهذه الآداب.
ويمكن الإشارة إلى أهم نتائج هذا البحث في النقاط التالية:
١- الأخلاق في الإسلام منبثقة من عقيدة الإسلام تنضبط بها من جهة وتصب في بوتقة حراسة العقيدة من جهة أخرى، وليست الأخلاق في الإسلام نظريات وفلسفات يتيه فيها أصحابها كما تتيه فيها المجتمعات التي تقع فريسة الافتتان بها.
٢- شمولية المنظومة الأخلاقية الإسلامية: بل إن هذه السورة على قصرها وإيجازها قد جمعت مقومات الفلاح والثبات في ضبط المجتمع الإسلامي بما لا يمكن تحقيقه البتة بشتى النظم الوضعية مجتمعة، فما بال المرء لو أنه استقرأ القرآن الكريم كله سبراً لباقي التوجيهات الأخلاقية.
٣- ثبات منظومة الأخلاق الإسلامية: فالأخلاق الإسلامية تدور مع حدود الشرع حِلاً وحرمةً، بخلاف الأخلاق الوضعية المصلحية التي تتبدل وتدور مع المصالح فأخلاق اليوم مثالب الغد والعكس بالعكس.