لا شك أن تحرير آداب التعامل مع الله تعالى ومع الرسول ﷺ باعتبار دوره التشريعي(١)هو الخطوة الأولى في تزكية المجتمع الإسلامي، وهو ما افتتحت السورة الكريمة به تأصيلاً وتأديباً لجماعة المسلمين، قال تعالى:" يأيها الذين آمنوا لا تقدِّموا بين يدي الله ورسوله واتقوا الله إن الله سميع عليم. يأيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون. إن الذين يغضُّون أصواتهم عند رسول الله أولئك الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى لهم مغفرة وأجر عظيم. إن الذين ينادونك من وراء الحجرات أكثرهم لا يعقلون. ولو أنهم صبروا حتى تخرج إليهم لكان خيراً لهم والله غفور رحيم"(٢)ولقد تعددت روايات أسباب نزول هذه الآيات ولكنني أقتصر على ذكر بعضها ملتزماً ما صح من جهة ومقتصراً على ما يفي بغرض إظهار المسلك التربوي لهذه السورة من جهة أخرى؛

(١) من المعلوم شرعاً جواز التشريك بين الله تعالى والرسول ﷺ في الأمور الشرعية بينما يحرم ذلك في الأمور الكونية؛ فلقد ورد في النص الصريح :" ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله "(التوبة- ٢٩) فشرَّك بين الله تعالى ورسوله ﷺ في الأمر الشرعي وهو التحريم، أما المحظور فهو التشريك بينهما في الأمور الكونية كالمشيئة والقدرة، كما ورد في الحديث "أن رجلا من المسلمين رأى في النوم أنه لقي رجلا من أهل الكتاب فقال نعم القوم أنتم لولا أنكم تشركون تقولون ما شاء الله وشاء محمد وذكر ذلك للنبي ﷺ فقال أما والله إن كنت لأعرفها لكم قولوا ما شاء الله ثم شاء محمد" (صحيح ابن ماجة-الألباني) فنهى عن التشريك في المشيئة وهي أمر كوني.
(٢) سورة الحجرات – آية ١- ٥


الصفحة التالية
Icon