فإطباق المتأخرين عليه واتفاقهم عليه لا يدل علي صحته، وإنما المعول عليه في إثبات الأحكام وفي نفيها هو الأدلة الشرعية واستعمال أهل اللغة، ولا يوجد دليل شرعي يقسم الكلام إلى حقيقة ومجاز كما لا يوجد في كلام العرب الأوائل وأئمة النحاة الأوائل من يقسم الكلام إلى حقيقة ومجاز، وابن القيم رحمه الله تعالى -وابن القيم معلوم بأنه تلميذ شيخ الإسلام ابن تيمية- والقيم بمعنى المدير مدير المدرسة ونحوه؛ وذلك لأن والده كان قَيِّمًا على مدرسة الجوزية؛ ولذلك يقال : ابن قيم الجوزية، الجوزية المدرسة، والقيم بمعنى المدير؛ ولذلك فإن بعض المؤلفين يقول الأولى أن يقال ابن قيم الجوزية ؛ لأن نظراء المدارس ومُدراءها وقيميها كُثُرٌ، قد عُرِف عن جماعة تسميتهم باسم ابن القيم، فيقال ابن قيم الجوزية تمييزا له وفصلا له عن غيره.
وابن القيم له مؤلفات عديدة ويمتاز بسلاسة أسلوبه، وقد نفع الله بكتبه، ومن مؤلفاته كتاب (الصواعق المرسلة في الرد على الجهمية والمعطلة) وبيَّن أنهم بنوا طريقهم ومنهجهم على طواغيت أربعة ذكر منها قولهم في أخبار الآحاد، وذكر منها مذهبهم في التأويل، وذكر منها أيضا هذه المسألة وهي مسألة المجاز، وجعل المجاز طاغوتا، والمراد بالطاغوت ما تجاوز به العبد حده، وابن القيم أبطل القول في المجاز في هذا الكتاب من خمسين وجها.
المراد بالوجه الدليل ؛ لأن لفظ الوجه يطلق على ثلاثة معان عند علماء الشريعة: المعنى الأول الدليل كاستعمال المؤلف هنا، والاستعمال الثاني للفظ الوجه طريقة الاستدلال بالدليل، وهو ما نعبر عنه الآن كثيرا بقولنا وجه الدلالة ووجه الاستدلال، والاستعمال الثالث في كلمة وجه هو قول الأصحاب، فإذا وجدت مسألة واختلف فيها الأصحاب ولا يوجد فيها نصوص عن الإمام، فإن أقوال الأصحاب تعتبر وجوها في المذهب.