ومن أوجه الإعجاز في هذا الكتاب أنه يفارق بين الألفاظ لوجود الفوارق في المعاني، ونمثل لهذا بمثال، تعرفون قصة أصحاب السفينة في آخر سورة الكهف قال الله - عز وجل - فيها :﴿ أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا ﴾ (١) وأما الغلام فقال فيه ﴿ فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا ﴾ (٢) وأما الجدار فقال فيه ﴿ فَأَرَادَ رَبُّكَ ﴾ (٣) لماذا فارق بين هذه النصوص، هنا فيه معاني وأسرار تجعله يفرق، ففي اللفظ الأول ذكر للعيب، ولا يناسب أن ننسب العيب لله سبحانه وتعالى ﴿ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا ﴾ (٤) ثم إن هذا العمل وهو بقضاء
.................................................................................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الله وقدره مختص بعمل الخضر، إتلاف السفينة وأخذ اللوح منها مختص بعمله، بقضاء الله وقدره، وأما في الموطن الثاني (فأردنا) لوجود عملين: الأول قتل الغلام والثاني إبداله بغلام آخر يكون صالحا لوجود نوع اشتراك في مثل هذا استعمل هذا اللفظ.
وفي الموضع الثالث ﴿ وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا ﴾ (٥) فبلوغ الأشد واستخراج الكنز ليس منسوبا إلى الخضر في شيء فحينئذ قال ﴿ فَأَرَادَ رَبُّكَ ﴾ (٦) وهكذا في مواطن عديدة تلحظ الفرق بين موطن وآخر.
(٢) - سورة الكهف آية : ٨١.
(٣) - سورة الكهف آية : ٨٢.
(٤) - سورة الكهف آية : ٧٩.
(٥) - سورة الكهف آية : ٨٢.
(٦) - سورة الكهف آية : ٨٢.