وليُعلَم بأن الأخبار في الكتاب والسنة قد ترد ويراد بها الإنشاء، وذلك مثل قوله سبحانه :﴿ * وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ ﴾ (١) فإن هذا في ظاهره خبر لكنه في حقيقته طلب، وكأنه يطلب من الوالدات إرضاعهن، وكذلك قوله سبحانه :﴿ وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ ﴾ (٢) فهذا في ظاهره خبر، والمراد به الطلب، لماذا قلنا بأن هذه الأخبار لا يراد بها الخبر وإنما يراد بها الطلب؟ لأننا نجد بعض الأفراد الذين تصدق عليهم الآية لا يمتثلون ما فيها فنجد بعض الوالدات لا يكملن حولين في إرضاع أولادهن، ونجد بعض المطلقات لا تتربص ثلاثة قروء؛ فدل ذلك على أنه ليس المراد الخبر ؛ لأن خبر الله - عز وجل - لا يمكن أن يتخلف أبدا لأنه عالم بكل شيء وهو صادق في حديثه.
قال المؤلف :(الخبر دائر بين النفي والإثبات) لأن الخبر عبارة عن نسبة بين شيئين، كأن تقول محمد قائم، إما أن تكون هذه النسبة بالإثبات، وإما أن تكون هذه النسبة بالنفي، كقولك محمد ليس بقائم،
قال المؤلف :(والإنشاء) يعني أن الخبر ينقسم إلى قسمين إثبات ونفي، والإنشاء كذلك ينقسم إلى أقسام عدة:
أول هذه الأقسام: الأمر، والمراد بالأمر طلب الفعل بالقول على جهة الاستعلاء، طلب الفعل يخرج منه طلب الترك؛ لأنه نهي، بالقول يخرج به الطلب الذي لا يتكلم له، فإنه لا يكون أمرا، وإنما يكون أحاديث نفس ووساوس، وقوله (على جهة الاستعلاء) يخرج به طلب الفعل ممن لا يرى في نفسه علوا كالالتماس والدعاء، ومن أمثلته قوله -سبحانه- :﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ ﴾ (٣) وأغلب صيغه صيغة "افعل" مثل
...............................................................................................................

(١) - سورة البقرة آية : ٢٣٣.
(٢) - سورة البقرة آية : ٢٢٨.
(٣) - سورة البقرة آية : ٢١.


الصفحة التالية
Icon