والثاني: تفسير القرآن بالرأي: وقد بين المؤلف أن هذه الطريقة طريقة غير مَرضية، قال المؤلف: أصح طرق التفسير أن يفسر القرآن بالقرآن، في هذا إشارة إلي اختيار منهج التفسير بالمأثور، فأصح طرق القرآن -يعني أن الطريقة الصحيحة- هي تفسير القرآن من طريق السبل والطرق الآتية:
أول هذه الطرق أن يفسر القرآن بالقرآن؛ فإن الله - عز وجل - قد وصف الكتاب بقوله: ﴿ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ ﴾ (١) فهذا القرآن تبيان لكل شيء، ومن ذلك تبيانه للقرآن ذاته.
ومن أمثلة تفسير القرآن بالقرآن: ما ذكره العلماء في قوله -سبحانه-: ﴿ قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَا فَارِضٌ وَلَا بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ ﴾ (٢) ففسر البقرة الواردة في أول هذه الآيات بهذا التفسير، بكونها غير فارض ولا بكر، وأنها عوان بين ذلك.
ومثال آخر أوضح من هذا: قوله -سبحانه-: ﴿ إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ ﴾ (٣) فالدم كلمة عامة تشمل جميع أنواع الدم، ويدخل في ذلك الدماء التي في العروق، والدماء المسفوحة، ثم جاءت آية سورة النحل، قال فيها -سبحانه-: ﴿ أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا ﴾ (٤) فهذه الآية فسرت الآية الأولى، وبينت أن المراد بالآية الأولى الدم المسفوح دون الدم الذي في العروق.
قال المؤلف: فما أُجمل في مكان، يعني أن الألفاظ التي لم يوضح معناها في مكان من القرآن، أو في إحدى سور القرآن، فإنه قد يفسر في موضع آخر، وما اختصر في مكان فقد بسط في موضع آخر، ويظهر هذا في قصص الأنبياء -عليهم السلام-، مثل قصة موسى، تجده في موطن يجمل، ويفسره في موطن آخر، ويختصر هذه القصة في مكان، ويبسطها في مكان آخر.
................................................................................................................

(١) - سورة النحل آية : ٨٩.
(٢) - سورة البقرة آية : ٦٨.
(٣) - سورة البقرة آية : ١٧٣.
(٤) - سورة الأنعام آية : ١٤٥.


الصفحة التالية
Icon