وقوله: فإنهم، "إن" تعليلية، فهذا هو الدليل على كون الصحابة يعتمد قولهم في التفسير، أنهم أدرى بتفسير القرآن، لكونهم قد شاهدوا التنزيل، ولما لهم يعني: ولما لهؤلاء الصحابة من الفهم التام والعلم الصحيح.
ولا شك أن الصحابة -رضوان الله عليهم- بذلوا من أنفسهم في تعلم العلم وفي تعليمه، وكون أقوال الصحابة يعتمد عليها قد يراد به ثلاثة أشياء:
الأول: اتفاقهم، فإذا اتفق الصحابة على قول، فإن إجماعهم حجة شرعية بلا شك، فإذا اتفقوا على تفسير القرآن، أو تفسير آية بشيء، فإن قولهم حجة، وقد يمثل له بما ورد عن الإمام أحمد أن الصحابة أجمعوا على أن قوله -تعالى-: ﴿ وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآَنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ ﴾ (١) أنها نزلت في الصلاة.
والنوع الثاني: من أنواع أقوال الصحابة في تفسير القرآن: أقوالهم عند اختلافهم اختلافا متضادا، فحينئذ لا يكون قول بعضهم حجة دون قول البعض الآخر؛ وذلك لتساويهم وتماثلهم.
والنوع الثالث: قول بعضهم ممن لا يعلم له مخالف من الصحابة، فإذا قال البعض تفسيرا للقرآن ولم نعلم لغيرهم قولا في هذه المسألة، فهذا ينقسم إلى قسمين: أن ينتشر هذا القول ويشتهر في الأمة، ولا يوجد له مخالف، فهذا إجماع سكوتي، يرى جماهير أهل العلم أنه حجة ويعمل به ويفسر القرآن به.
والنوع الثاني: قول بعضهم في تفسير القرآن الذي لم ينتشر في الأمة، فحينئذ هل هذا القسم طريق صحيح لتفسير القرآن، أو لا؟ فيه قولان لأهل العلم.
فعرفنا من خلال ما سبق أن محل الخلاف يشترط فيه شروط:
الشرط الأول: أن يكون قولا لبعضهم دون جميعهم.
والشرط الثاني: ألا يوجد اختلاف بين الصحابة فيه.
والشرط الثالث: ألا ينتشر قول هؤلاء الصحابة، فإذا كان كذلك، فليعلم أن بعض من قال: إن قول الصحابي ليس بحجة، وافق الجمهور في كون تفسير الصحابي دليلا شرعيا يُفسر به القرآن.