ثم ذكر بعد ذلك المسائل اللفظية قال: ومن قال لفظي بالقرآن مخلوق فجهمي، فكلمة لفظي تحتمل أمرين، تحتمل الفعل الذي هو التلفظ، وتحتمل الملفوظ، فحينئذ لما ترددت بين هذين الأمرين، وأحدهما مخلوق، وأحدهما غير مخلوق، امتنعنا من إطلاق هذا اللفظ، فلا نقول لفظي بالقرآن مخلوق، ولا غير مخلوق لماذا؟ لأنه يتردد بين أمرين الملفوظ، وهو كلام الله، وفعل العبد، وهو التلفظ؛ ولذلك المصدر تنتبهون له؛ لأنه يطلق على الفعل، وعلى المفعول، مثل كلمة خلق، تطلق على الفعل، وتطلق على المفعول، على فعل الله خلق، ويطلق كذلك على المفعول المخلوق، مثل السماوات والأرض ﴿ هَذَا خَلْقُ اللَّهِ ﴾ (١).
فحينئذ ننتبه ما يقال الخلق قديم، ننظر إلى أحد الأمرين، هل المراد الصفة؟ التي هي صفة لله - عز وجل - فالله خالق قبل وجود المخلوقات، أو يقال: المراد به المخلوق، فحينئذ يكون موجودا مخلوقا حادثا ولذلك بعض الناس لم يفهم كلام شيخ الإسلام في بعض مواطنه، فلما وجد أن أهل السنة يقولون: إن خلق الله قديم، ظن أنه يريد المخلوقات، فظن أن الشيخ يقول بقدم العالم المخلوق، وهذا كلام خاطئ، وليس مرادا للشيخ، وإنما المراد للشيخ أن صفة الخلق صفة قديمة لله -عز وجل-؛ لأن بعض الناس يقولون: إن الله لم يكن خالقا في الأزل، وأن صفة الخلق استجدت له، كما هو قول الهاشمية والكرامية في مسألة الكلام.
فالمقصود أن المصدر قد يطلق ويراد به الفعل، ويراد به المفعول، وحينئذ نتوقف في هذا اللفظ، وهذه قاعدة في المتردد بين أمرين، أننا نتوقف فيه؛ ولذلك لما ذكر الله - عز وجل - قول: ﴿ رَاعِنَا ﴾ (٢) لما كانت تحتمل أمرين من المراعاة ومن الرعونة، نهى الله - عز وجل - عنها، وهكذا كل لفظ يتردد بين معنيين أحدهما سائغ، والآخر ممنوع، فإنه يمنع منه؛ ولذلك قولنا: لفظي بالقرآن، هل هو مخلوق، أو غير مخلوق، يحتمل أمرين، فإن فصلنا
.................................................................................................................

(١) - سورة لقمان آية : ١١.
(٢) - سورة البقرة آية : ١٠٤.


الصفحة التالية
Icon