إن هناك فئة من الناس ترد كل على ما لا يأتي على حسب ما تألفه أو تهواه أو تعتاده، وجِماع ذلك كله : الجهل بهذا الشيء، وبالتالي فهي لا تقبل هذا الشيء وإن كان مثبتاً موجوداً معروفاً عند كثير من الناس ؛ فبعضهم لا يدري أن هناك إجازات خاصة بالمتون، ويأخذ فيها الطالب سنداً إلى ناظمها ؛ إما بالقراءة غيباً عن ظهر قلب في مجلس واحد- كما سيأتي معنا في إجازة إمام هذا الفن ابن الجزري - رحمه الله - للشيخ العلامة /أبي الحسن علي باشا - أو بالقراءة نظراً لتصحيح المتن، وهذان الأمران صحيحان عند أهل العلم ؛ إلا أن الأول أفضل وأولى؛ لذا فهي تردُّ هذا الشيء ولا تقبله ؛ لندرته أو قلته أو عدم وجوده في البلد أو المكان التي هي فيه، فإذا جاء أحد المشايخ بهذا الشيء الذي ليس عندهم قالوا : هذا الأمر ما سمعنا به، ولا نعرف أحداً من مشايخنا معه السند الخاص في المتن، إلى غير ذلك مما أنكروه بغير حق ؛ بل بجهل والبعض بحسد وحقد، نسأل الله العافية(١)

(١) والأمثلة على ذلك الأمر كثيرة جداً مما يرده هؤلاء القوم بسبب الجهل أو عدم موافقة أهوائهم أو ما تألفه وتعتاده أنفسهم : كردهم إتمام الحركات ؛ لأن بعضهم لا يستطيع القراءة به وهو مجاز في العشر أو صاحب شهادة، ويحتاج إلى وقت طويل لإتقانه، فأسهل شيء عليه - حتى لا يفضح نفسه - الإنكار أو يقول : ما قرأنا بذلك على مشايخنا ولا تلقيناه، وقد رددت عليهم وفنّت جميع شبههم وأقوالهم في بحثنا ( فتح العلي في بيان اللحن الجلي والخفي ) بأسلوب علمي ومنطقي - والحمد لله -، وليس هذا الأمر في القرآن فحسب ؛ بل في أكثر الأشياء : كإنكار البعض السند في العقيدة أو الفقه وغيرهما، وإنكار البعض المد النبوي بالكلية ؛ لأنه طبعاً من مصر، وأهل مصر الكثير منهم لا يدري عن المد ولا سنده شيئاً - وإن كان في سنده كلام - ولكنه معروف عند أهل نجد والحجاز ومنتشر هناك بالأسانيد ؛ بل بعضهم لما قابلته في مصر قال لي معترضاً وليس مستفهماً : كيف يكون الشيخ الطرابيشي أعلى من الشيخ أحمد الزيات - رحمه الله - في القراءات السبع سنداً ؟ ثم سألني كم عمر الطرابيشي ؟ قلت : في قرابة ( ٨٧ ) عاماً، فقال لي : الشيخ الزيات مات وعمره قارب ( ١٠٠) فكيف يكون الطرابيشي أعلى ؟، أقول : جهل مركب في بعض المسائل عند هؤلاء الذين يدَّعون القراءة والإقراء، أو قل : هو حسد وحقد أقران، أو قل : ردّ ما لا تهواه أو تعتاده أنفسهم، فانظر - أخي الكريم - : كيف جعل هذا الرجل الضابط في علو السند هو : العمر ؟، لأنه لا يدري أن العلو ونزوله يكون : بقلة أو زيادة عدد رجال السند ؛ فإذا كان عدد الرجال قليلاً كان السند عالياً، وإذا كان كثيراً ؛ فالسند نازل، والشيخ / الطرابيشي - حفظه الله - أقل عدداً من الشيخ / الزيات - رحمه الله - في القراءات السبع من الشاطبية.
فيا طالب العلم، ويا شيخ، ويا صاحب النعمة لِلَّهِ : أنت محسود على النعمة التي أنت فيها، فاصبر - أخي الكريم - على حقد وحسد إخوانك، فهذه سنة ربانية لا تتغير ولا تتبدل، فادع الله أن يرزقك الإخلاص في القول والعمل ومعاملة الناس بالحسنى، وأن يسلمك من أمراض القلوب التي فشت في هذا الزمان بين الناس بعضهم بعضاً، نسأل الله العفو والعافية، وأن يرزقنا جميعاً حسن الخاتمة، وأن يجعل خلقنا القرآن.


الصفحة التالية
Icon