ثم توجه سنة ٨٠٥ هـ إلي بلاد ما وراء النهر، فنزل مدينة كشّ ثم بارحها إلي سمرقند (أعظم مدينة بما وراء النهر )ثم انتقل سنة ٨٠٧ هـ إلي خرسان ( بلاد واسعة أول حدودها مما يلي العراق، وآخرها مما يلي الهند ) وبعدها بقي في أصفهان حتى شهر رمضان سنة ٨٠٨ هـ حتى دخل شيراز فألزمه حكامها البقاء فيها وولّوه القضاء بها، فبقي فيها أربعة عشر عاماً حيث عمَّر فيها داراً للقرآن وأصبح لديه فيها تلاميذ قرءوا عليه القراءات وغيرها.
وفي السنوات التي قضاها ابن الجزري في شيراز ( من سنة ٨٠٨ هـ إلي سنة ٨٣٣ هـ ) قام برحلتين حج خلالهما، وزار بعض البلدان، فقد قصد الحج سنة ٨٢٢ هـ، ولما جاوز عنيزة (معروفة في السعودية ) خرج عليه ومن معه الأعراب في الليل غفلة فأخذوا جميع ما معهم وكادوا يقتلونهم وصدوهم عن البيت الحرام وزيارة النبي- صلي الله عليه وسلم -، وتعوَّق ابن الجزري ومن معه من أداء الحج ذلك العام، فعاد إلي مدينة عنيزة ونظم (الدرة المضية ) في القراءات الثلاث، ثم يسر الله له من تكفل بحمله وإيصاله إلي المدينة المنورة سنة ٨٢٣هـ، ثم توجه إلي مكة فجاور فيها بقية السنة، فحدَّث وأقرأ حتى جاء موسم الحج التالي فحج وسافر بعد ذلك راجعاً إلي مدينة شيراز.
أما الرحلة الثانية : فكانت سنة ٨٢٧ هـ حيث قدم دمشق فاستأذن منها في قدوم القاهرة فأذن له، وتصدي للإقراء والتحديث وازدحم الناس عليه، ثم توجه إلي مكة فحج وسافر من هناك في البحر إلي بلاد اليمن في تجارة فأكرمه ملكها المنصور عبد الله بن أحمد الرسولي (ت ٨٣٠هـ ) ثم عاد إلي مكة فحج سنة ٨٢٨ هـ ) ثم رجع إلي القاهرة فدخلها أول سنة ٨٢٩ هـ ثم سافر منها علي طريق الشام ثم علي طريق البصرة إلي شيراز.
عاد ابن الجزري إلي شيراز ومكث فيها سنوات أخري حتى توفي - رحمه الله تعالي - في هذه المدينة قبيل ظهر يوم الجمعة ربيع الأول سنة ٨٣٣ هـ ودفن بدار القرآن التي أنشاها.