أثبت لهم العلم أولا مؤكدا بلام القسم ثم نفاه عنهم؟
قلنا: المثبت لهم أنهم علموا أن من اختار السحر ما له في الآخرة من نصيب، والمنفي عنهم أنهم لا يعلمون حقيقة ما يصير إليه من يخسر الآخرة، ولا يكون له نصيب منها، فالمنفى غير المثبت فلا تنافى.
* * *
فإن قيل: كيف قال: (وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ خَيْرٌ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ).
وأنما يستقيم أن يقال هذا خير من ذلك إذا كان في كل واحد منهما خير، ولا خير في السحر؟
قلنا: خاطبهم على اعتقادهم أن من تعلم السحر خيرا نظراً منهم إلى حصول مقصودهم الدنيوى به.
* * *
فإن قيل: كيف قال هنا: (رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا). وقال في سورة ابراهيم عليه الصلاة والسلام: (رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا).
قلنا: في الدعوة الأولى كان مكاناً قفراً فطلب منه أن يجعله بلداً وأمناً، وفى الدعوة الثانية كان بلدا غير أمن فعرفه وطلب له الأمن، أو كان بلداً آمناً فطلب له ثبات الأمن ودوامه، وكون هذه السورة
مدنية وسورة إبراهيم مكية لا تنافى في هذا لأن
الواقع من إبراهيم عليه الصلاة والسلام بلغته على الترتيب الذي قلنا