ومعلوم أن المؤمنين يوم بدر قتلوا الكفار، ورماهم النبى عليه الصلاة والسلام بكف من حصى الوادى في وجوههم وقال: شاهت الوجوه، فلم يبقى مشرك إلا وقع في عينيه شى من ذلك فشغلوا في عيونهم وانهزموا، فتبعهم
المؤمنون يقتلون وريأسرون؟
قلنا: لما كان السبب الأقوى في قتلم إنما هو مدد الملآئكة، وإلقاء الرعب في قلوب الكافرين، وثبيت قلوب المؤمنين وأقدامهم وذلك كله فعل الله تعالى ونسبه إليه، يعنى إن كان ذلك في الصورة منكم، فهو في الحقيقة منى. فسبيلكم الشكر دون العجب والفخر وكذلك
الرمية أثبتها لرسول الله ﷺ لأن صورتها وجدت منه، ونفاها عنه لأن أثرها الذي لا يوجد مثله عن رمى البشر فعل الله تعالى، ونظير هذا قولك لمن صدر عنه قول حسن أو فعل مكروه، بتسليط من هو أعلا رتبة منه: هذا ليس قولك ولا فعلك.
وقيل: معنى قوله تعالى: "وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ" وما رميت الرعب في قلوبهم إذ رميت الحصا في وجوههم ولكن الله رمى الرعب في قلوبهم، ولأهل الحقيقة في هذه الآية ونظائرها من الكتاب والسنة مباحث لا يحتلمها هذا المختصر، وهى مستقصاة في كتب التصوف.
* * *
فإن قيل: كيف قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَوَلَّوْا عَنْهُ) ثنى في الأمر ثم أفرد في النهي؟
قلنا: كما يذكر في لغة العرب الاسم المفرد، ويراد به الأثنان والجمع فكذلك يذكر ضمير المفرد ويراد به ضمير الاثنين


الصفحة التالية
Icon