قلنا: فائدته أن يعلم أن هذا التقسيم والعدد ليس مما أحدثه الناس ولبتدعوه بعقولهم من ذات أنفسهم، وإنما هو أمر أنزله الله تعالى في كتبه على ألسنة رسله.
* * *
فإن قيل: كيف قال تعالى: (فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ)
خص الأربعة الحرم بذلك، وظلم النفس منهى عنه في كل زمان؟
قلنا: قال ابن عباس رضى الله عنهما الضمير في قوله
تعالى: (فيهن) راجع إلى قوله: "اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا"
لا إلى الأربعة الحرم فقط، فاندفع السؤال الثانى: أن الضير راجع إلى الأربعة الحرم، أما لأنها أقرب أو لما قاله الفراء إن العرب تقول في العشرة وما دونها لثلاث ليال خلون، وأيام خلون وهؤلآء، فإذ جاوزت
العشرة قالت: خلت، ومضت للفرق بين القليل وهو العشرة فما دونها، وبين الكثير وهو ما زاد عليها، ولهذا قال في الأثنى عشر منها، وقال في الأربعة فيهن، فعلى هذا يكون تخصيصها بالذكر، إما لمزيد فضلها وحرمتها عندهم في الجاهلية، فيكون ظلم النفس فيها
أقبح، ونظيره قوله تعالى: (فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ)
وإن كان ذلك منهيا عنه في غير الحج أيضا أو لأن
المراد بالظلم النسيء وهو كان مخصوصا بها، أو قتال الكفار فيها ابتداء، أو ترك قتالهم إذا ابتدوا، وكل ذلك مخصوصا بها.
* * *
فإن قيل: كيف قال تعالى: "فيهن" والشهر مذكر فقياسه فيها؟
قلنا: الضمير بالهاء والنون لا يختص بالمؤنث، ولو اختص فالمراد