قلنا: حق السماء أن تقدم على الأرض مطلقا لأنها أشرف، لكنه لما ذكر هنا في صدر الآية شهادته على شئون أهل الأرض، وأقوالهم وأعمالهم، ثم أردفه بقوله تعالى: (وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ) ناسب ذلك تقديم الأرض على السماء، الثانى: أن العطف بالواو نظير التثنية وحكمه حكمها فلا يعطى رتبة كالتثنية.
* * *
فإن قيل: كيف قال تعالى هنا: (الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا)
وقال في موضع آخر: (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ) ؟
قلنا: أثبت الاشتراك في نفس العزة التى هى في حق الله تعالى القدرة والغلبة، وفى حق الرسول عليه الصلاة والسلام علو كلمته وإظهار دينه، وفى حق المؤمنين نصرهم على أعدائهم، وقوله تعالى: (إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا) أراد به العزة الكاملة التى يندرج فيها عز الألهية والخلق والإماتة والإحياء والبقاء الدائم وما أشبه ذلك فلا تنافي.
* * *
فإن قيل: إذا كانت السموات والأرض وما فيهما من المخلوقات وما وراءهما كل ذلك ملك لله تعالى ملكا وخلقا، فما فائدة التخصيص فى
قوله تعالى: (أَلَا إِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) ؟
قلنا: إنما خص العقلاء المميزين بالذكر وهم الملآئكة والثقلان ليعلم أن هؤلاء إذا كانوا عبيدا لله وهو ربهم ولا يصلح أحد منهم للربوبية ولا للشركة معه، فما وراءهم مما لا يعقل كالأصنام والكواكب


الصفحة التالية
Icon