قلنا: لأن إشهاد الله تعالى على البراءة من الشرك إشهاد صحيح مفيد تأكيد التوحيد واشد معاقده، وأما إشهادهم فما هو إلا تهكم بهم وتهاون، ودلالة على قلة المبالاة، لأنهم ليسوا أهلا للشهادة، فعدل به عن اللفظ الأول وأتى به على صورة التهكم والتهاون، كما
يقول الرجل لصاحبه: إذ لا حجة أشهد أنى لا أحبك، تهكما واستهانة له.
* * *
فإن قيل: قوله تعالى: (فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ) جعل التولى شرطا والإبلاغ جزاء، والإبلاغ كان سابقا على التولى؟
قلنا: ليس الابلاغ جزاء للتولى، بل جزاؤه محذوف تقديره: فان تولوا لم أعاتب على تفريط في الابلاغ أو تقصير فيه، ودل على الجزاء المحذوف قوله: "فقد أبلغتكم " الثانى: قال مقاتل تقديره: فإن تولوا فقل لهم قد أبلغتكم.
* * *
فإن قيل: ما فائدة تكرار النتجية في قوله تعالى:
(وَنَجَّيْنَاهُمْ مِنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ) ؟
قلنا: أراد بالنتجية الأولى تنجيتهم من عذاب الدنيا الذي نزل بقوم هود، وهو سموم أرسلها الله تعالى عليهم، فقطعتهم عضوا عضوا، وأراد بالنتجية الثانية تنجيتهم من عذاب الآخرة الذى
استحقه قوم هود بالكفر ولا عذاب أغلظ منه وأشد.


الصفحة التالية
Icon