فيكون معذوراً بسبب ذلك. وقيل: إن في حكمة الله تعالى وعلمه أن لا يبتلى نبياً من الأنبياء بالكفر، بشرط أن يكون متضرعاً إلى ربه
طالبا منه ذلك، فأجرى على لسانه هذا السؤال لتحقيق شرط العصمة.
* * *
فإن قيل: كيف قال: (رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ) جعل الأصنام مضلة، والمضل ضال، وقال في موضع آخر: (وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ) ونظائره كثيرة فكيف التوفيق بينهما؟
قلنا: إضافة الاضلال إليها مجاز بطريق المشابهة، ووجهه أنهم لما ضلوا بسببها فكأنها أضلتهم، كما يقال: فتنتهم الدنيا وأغرتهم أي أفتتنوا بسببها وأغتروا، ومثله قولهم دواء مسهل، وسيف قاطع.
وطعام مشبع وماء مرو، وما أشبه ذلك، معناه حصول هذه الآثار بسبب هذه الأشياء، وفاعل الآثار هو الله تعالى.
* * *
فإن قيل: كيف قال: (أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ) ولم يقل أفئدة الناس، وقوله قلوب الناس أظهر استعمالا من قوله: قلوبا من الناس؟
قلنا: قال ابن عباس رضى الله عنهما: لو قال إبراهيم عليه الصلاة والسلام في دعائه أفئدة الناس لحجت جميع الملل وازدحمت عليه الناس حتى لم يبق لمؤمين فيه موضع، مع أن حج غير الموحدين لا يفيد، والأفئدة هنا القلوب في قول الأكثرين، وقيل: الجماعة من الناس.
* * *
فإن قيل: إذا كان الله تعالى قد ضمن رزق العباد، فلم سأل إبراهيم


الصفحة التالية
Icon