فلانا بمعنى أمرته أي جعلته أميرا فمعنى الآية سلطناهم بالامارة، ويعضد هذا الوجه قراءة من قرأ أمرنا - بالتشديد - وقال الزمخشري رحمه الله لا يجوز أن يكون معناه أمرناهم بالطاعة ففسقوا، لأن حذف ما لا دليل عليه في اللفظ غير جائز فكيف يقدر حذف ما قام الدليل في اللفظ على نقيضه، وذلك أن قوله: "ففسقوا " يدل على أن المأمور به المحذوف هو الفسق وهو كلام مستفيض، يقال: أمرته فقام وأمرته فقعد وأمرته فقرأ لا يفهم
منه إلا المأمور به، القيام والقعود والقراءة بخلاف قولهم أمرته فعصانى وأمرته فخالفنى حيث لا يكون المأمور به المحذوف المعصية والمخالفة، لأن ذلك مناف للأمر مناقض له، ولا يكون ما يناقض لأمر وينافيه مأموراً به فيكون المأمور به في هذا الكلام غير مدلول عليه ولا منوى، والمتكلم بمثل هذا لا ينوى لأمره مأموراً به بل كأنه قال: كان منى أمر فلم تكن منه طاعة أو فكانت منه مخالفة كما تقول: مر زيداً يطعمك، وكما تقول فلان يأمر وينهى ويعطى ويمنع ويصل ويقطع ويضر وينفع فإنك لا تنوى فيه مفعولا.
* * *
فإن قيل: على هذا حقيقة أمرهم بالفسق أن يقول لهم أفسقوا وهذا لا يكون من الله تعالى، فلا يقدر الفسق محذوفاً ولا مأموراً به؟
قلنا: الفسق المحذوف المقدر مجار عن اترافهم وصب النعم عليهم صباً أفضى بهم إلى جعلها ذريعة إلى المعاصى ووسيلة إلى اتباع الشهوات، فكأنهم أمروا بذلك، لما كان السبب في وجوده الاتراف وفتح باب النعم.
* * *
فإن قيل: لم لا يكون ثبوت العلم بأن الله تعالى لا يأمر بالفحشاء،


الصفحة التالية
Icon